شروق صالح ابنة جامعة القدس، طالبة بالسنة الثانية أدب انكليزي لكن ذلك لم يحول بينها وبين الكتابة الأدبية باللغة العربية، فبعد أبواب السعادة تكتب عن معنى الحرية…
معنى الحرية
حرية, كرامة, عدل, موضوعية, احترام, مسؤولية ذاتية, صدق, محبة, تفاؤل, هي قيمٌ ومفاهيمٌ إنسانية كانت قد حزمت أمتعتها وبدأت تشق طريقها بعيداً عنا فَغَدَت فتاتَ قيمٍ ومفاهيم وأدخلتنا في حلمٍ تائهٍ لا ندري أين الطريق الذي سنسلكه, فنحن لا نعرف أين وكيف سترسو سفينة القيم والمفاهيم هذه, لكننا ندرك أن تلك السفينة ما زالت موجودة.
لقد بدأتُ كتابة كلماتي هذه بتنهيدةٍ أحسستها خرجت من مكان دفين في داخلي ولكنني لا أدري ما سرها, فمن منا لم يتساءل يوماً عن معنى الحرية؟ وكم من واحد منا وجد الإجابة عن هذا السؤال؟ من منا يشعر حقاً بحريته؟ من منا تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه؟
وأنا لا أقصد بتساؤلاتي هذه الحرية التي تكون بالاعتداء على الآخرين وأذيتهم وانتهاك حقوقهم, فذات يوم كنت في طريقي إلى منزلي, لفت انتباهي حوار بسيط بين شابين, تدل ملامحهما على أنهما يبلغان السادسة عشرة من العمر أو أقل أو أكثر قليلاً, حدث الموقف حين كان الأول يمنع الثاني عن إيذاء المارة, فما كان من الآخر إلا أن صرخ في وجهه قائلاً: (تتدخلش أنا حر).
لذا فالحرية التي أقصدها هنا هي أن تراعي بما تفعل حقوق الناس من حولك وألا تتعدى بهذه الحرية على حرية الآخرين ورغباتهم, فالأصل في الحرية هو شعورنا النفسي باستقلالنا وحريتنا في الفعل, فالنزعة إلى الحرية والانعتاق من القيود لدى الإنسان من النزعات الأصيلة والعميقة في وجوده الطويل.
والإنسان الحر هو من يرفض أن يكون عبداً أو أسيراً, والحرية هي قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها بحسب منظوره شريطة أن لا تكون مفضيةً إلى اضرار الآخرين(جون ستيوارت), ومن ناحية أخرى نرى أن الحرية تكون عندما يتصرف الإنسان بحيث يأتي سلوكه تعبيراً عن كيانه كله وليس عن جزء من شخصيته يتحكم فيه دون بقية الأجزاء, فيجب على الإنسان أن يحرر نفسه من كل الضغوطات والشهوات والرغبات التي تدفعه إلى الخضوع والانسياق وراءها. فحين ينعدم القسر الخارجي والضغوطات على الإنسان, وحين يراعي الإنسان بحريته حرية الآخرين ورغباتهم يكون قد حرر نفسه من القيود ويكون شعوره بالحرية فعلياً, فهو ليس عبداً وليس أسيراً لشهواته ورغباته.
وعلى الرغم مما تتعرض له سفينة الحرية من قرصنة مجرمة أمام أنظار العالم ومنظماته وهيئاته وأمام الحق والقانون وحقوق الإنسان, فهي ما زالت تخترق الأمواج وتقتحم عباب البحر ويحملها عبابٌ أليم, لذا فلنحاول البحث عن هذه السفينة الضائعة داخل كل إنسان منا, لعلنا ننقذها وننقذ الإنسانية داخلنا التي تُغتالُ بدمٍ باردٍ كالمعتاد بمصادرة الحرية.