تورد الصُحف والإذاعات الخبر التالي: سيتم قطع جنوب الضفة الغربية عن شمالها بشارع يسمى بنسيج الحياة ضمن مخطط إسرائيلي استيطاني يُسمى E1 يهدف إلى إنشاء حزام متواصل من المستوطنات المحيطة بالقدس، وإنشاء ما يسمى بـ”القدس الكبرى”.
من هنا جاءت فكرة مشروع الطالبتين في الهندسة المعمارية في جامعة القدس آمنة العابد وتالا أبو زر، بعنوان “Spatial Resilience: an edu-recreational Park in E1- Jabal Al-Baba site” تحت إشراف د. عبد الرحمن الكالوتي، إذ تقول آمنة “حيث أن معركة البقاء تجاوزت حدود الأرض، قمت أنا وزميلتي تالا بعمل أبحاث شاملة حول طبيعة المنطقة، وحول المخطط الاستيطاني E1، ودراسة المناطق التي ستقع عليها هذه المستوطنة وهي خمس: العيزرية، أبوديس، عناتا، العيسوية ، الطور”.
“عملنا ما يُسمى بالتخطيط المقاوم والبديل للمخططات الإسرائيلية الواقعة على هذه المناطق بعد دراسة احتياجات المناطق الخمسة لصالح الجانب الفلسطيني، وبالتركيز على منطقة العيزرية ودراسة مخططها المستقبلي والشوارع المقترحة، وعلى جبل البابا بشكل خاص، وقد تبين وجود عدة احتياجات ونواقص تعاني منها المنطقة أهمها التعليم وفقر المساحات الخضراء والمناطق الترفيهية التفاعلية”، تشير العابد.
جبل البابا: المتنفس الأخضر الوحيد للأهالي
ويضم جبل البابا الواقع على السفوح الشرقية للقدس تجمعات بدوية هجرت عام 1948 أغلبها من عرب “الجهالين”، يبلغ عددهم نحو 300 فرد تعرضت بيوت العديد منهم للهدم المتكرر بفعل سياسة الهدم والتطهير العرقي التي ينتهجها الاحتلال ضدهم، وهم بدورهم يقاومون هذه الحملات الممنهجة بالصمود وإعادة البناء بعد الهدم.
بعد دراسة الموقع، صممت الطالبتان مشروعهما بحيث يخدم التجمعات البدوية وسكان أهل العيزرية والمناطق المجاورة، انطلاقًا من رؤية أن يكون توجهه تعليميًا مهنيًا يخدم أهل العيزرية كونه قريبًا من المنطقة الصناعية، ويضم فراغات تعليمية تؤهل السكان لحرف بسيطة، ومعارض ومحلات تجارية تقوم بتسويق وبيع المنتجات الناتجة عن عمل هذه الصفوف والورشات التعليمية، بالإضافة إلى توجه ترفيهي يدمج الحديقة المصممة بحديقة جبل البابا، لتكون متنفسًا أخضر للأهالي.
إن قوة الموقع نفسه وإمكانياته خلق لآمنة وتالا بصيرة مستقبلية وتخطيطية ستكون قادرة على مواجهة المخططات الإسرائيلية، كون الموقع المختار يحتوي على خط مسار جدار الفصل العنصري المخطط له من قبل الاحتلال، فكانت فكرة التصميم تتمحور حول وضع عقبات في خط هذا المسار تتناسب مع طبيعة اختلاف المواد المستخدمة في هذه المنطقة.
وعن تصميم المشروع تقول أبو زر “قمنا باستخدام الكونتينرات بالإضافة إلى الخرسانة مسبقة الصب في المباني الإسمنتية، تتميز إحداها بالمرونة المكانية للموقع تتناسب مع الوضع السياسي للمنطقة واحتياجات الفراغات، سواء الحاجة لزيادة عدد الصفوف أو دمج إحداها لتكبير الفراغ، وأيضًا بناءً على إمكانية الموقع كونه الحديقة الوحيدة في العيزرية وتتضمن حديقة جبل البابا”.
عن رمزية المقاومة بالوجود والصمود
ويأتي المشروع كما يشير المشرف د. عبد الرحمن الكالوتي، ضمن رؤية جامعة القدس وتوجيهاتها للعمل على دعم القضايا الهامة وترك بصمة في حلها سواءً في مدينة القدس بشكل خاص أم على مستوى الوطن عامة، كما تشجع دائرة الهندسة المعمارية طلبتها للبحث عن مشاريع واقعية، بحيث يأتي هذا المشروع ضمن قضية منطقة E1 لضم مستوطنات مع مستوطنة “معلي أدوميم” للقدس الشرقية وتحقيق ما يسمى بالقدس الكبرى، مما سيؤدي لقطع تواصل الجنوب مع الشمال في الضفة، وبالتالي التضييق على الفلسطيني كما هو معهود على السياسات الإسرائيلية.
وحول أهمية المشروع ينوه د. الكالوتي “يمثل المشروع تحديًا على مستوى الفكر والمستوى المعماري والسياسي، وبالتالي فقد كان للمشروع طابع مختلف ومميز.. أهنئ الطالبات على روح الشغف والتحدي والإصرار لحل مشروع بهذه الصعوبة في منطقة حساسة جدًا بقوانين جائرة وحساسة أيضًا، وأهنئ الدائرة على هذا النجاح الذي يأتي ثمرة 5 سنوات في الاطلاع والتعليم، وأتمنى أن تلبي مشاريعنا دائمًا صرخات الوطن واحتياجاته”.
هذا وعملت الطالبتان على المشروع بالتخطيط الحضري العام لتحليل المناطق المتأثرة بالمخطط، ثم وصلتا إلى نقطة التدخل الخاصة بهما وهي النقطة المفصلية في المشروع، واستندت على مسار الجدار وأخذت المعالجات بعين الاعتبار طبيعة المشروع وإعادة البناء في حال الهدم، وتمحورت كما د. الكالوتي حول رمزية المقاومة بالوجود والصمود لتحمل رسالة مفادها “أننا سوف نبقى موجودين ونعيد بناء أنفسنا دائمًا”.
