"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. الحمد لله الذي علم بالقلم… علم الإنسان ما لم يعلم.. والصلاة والسلام على الرسول الأكرم، محمد صلى الله عليه وسلم،
حيّوا معي صرح التقدم والعلا…. ومنارة العلماء في أرض الفدا
في القدس جامعة تنير إلى الورا… ظُلُمَ الدروب وتستدير على المدى
نعم أيها السادة، في القدس جامعة، وليست أيَّ جامعة، في القدس طلاب وليسوا أيَّ طلاب، في القدس مشاريع أحلام وطموحاتٌ عظيمة تعانق عنان السماء، وترسم مستقبلا عطراً لوطنٍ عانى كثيرا، فإن تنظروا من خلفكم تروا جدارفصلٍ قاتل، وإن تنظروا من حولكم، تروا المستوطنات المسرطنة، وإن تنظروا من فوقكم أو من تحتكم تروا احتلالاً في كل مكان، لكننا في هذه الجامعة ، لا نرى هذه الأشياء ولا نلقي لها بالاً، فإن نظرنا للأمام، نرى القدس الشريف والمسجد الأقصى، وإن نظرنا إلى الخلف نرى أرض الأجداد عائدة، وإن نظرنا من فوقنا أو من تحتنا، نرى أحلاما وطموحاتٍ لا تحدها حدود، ماضينَ نحو تحقيقها، فها هنا هو مصنع بناة الغد، وها هنا هو عرين صناع المجد.
دولة الأخ أحمد قريع أبو علاء رئيس مجلس الأمناء، حضرة الأستاذ الدكتور عماد أبو كشك رئيس الجامعة… السادة أعضاء مجلس الأمناء…. السادة أعضاء الهيئات التدريسية وموظفي الجامعة… الأمهات والآباء الكرام، زميلاتي وزملائي الخريجين
أيها الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ها قد مضت تلك الأعوام التي بدأنا فيها المسير، ورست السفينة بمن فيها وحطّت، وقيل الحمد لله رب العالمين.. فعامٌ بعد عام، كنا نتطلع ببريق الأمل نحو هذا اليوم، نحو يومٍ نحصد فيه الثمرْ، وتفرح الأم بمن كبُرْ، ويفتخر الأب بمن ثابر وصبرْ
سنينٌ مضت، لن أقول بأنها مرّت كلمح البصر، أو أنها كانت خفيفة الظلّ والسفر، بل كانت أعواماً ملآ بالجد والاجتهاد، باللينِ حيناً، وحيناً آخرَ بالعنادْ.. مرّت علينا تلك الأيامُ وحملت إلينا أناساً نعيشُ بهم، زملاءً نسمو بهم، وعلماءَ نفخرُ بهم..
ما الفضل إلا لأهلِ العلمِ انهم.. على الهُدَى لِمن استهدى أدلاء
وقيمةُ المرءِ ما قَد كانَ يُحسنُهُ.. والجاهلونَ لأهلِ العلمِ أعداء
ففز بعلمٍ ولا تطلُبْ بهِ بدلاً.. فالناسُ موتى وأهلُ العلمِ أحياء
وهنا في جامعة القدس، علماءٌ عاهدوا أنفسهم على أن يخرّجوا أجيالاً تعرف قيمة العلم.. أجيالاً يتوسّم بهمُ الوطن خيراً ويتعطّش للقياهمْ، فهُمُ الأساس والنبراس، كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت.. وفرعها في السماء.. تؤتي أكلها كل حين، فلكم منّا يا ورثة الأنبياءِ كل تقديرٍ وعرفان.
السيدات والسادة،
لم أجد في الكونِ مثالاً يُضرب في الإيثار والحب والتضحية، أعظمَ من الوالدين وحبّهما، ربّاه ما أعظمكما يا وصيّة الإله ! فشكراً لكلّ دمعة فرحٍ على محيّاكما، وشكراً لذاك الشيب وتلك التجاعيد التي تروي قصةَ حبٍّ وروعة النفس، شكرا لكل نبضة حبٍّ وخوفٍ وفخر، شكرًا كما قد قالها النارنج للمطر
إذ حين يهطل فوقنا نخضر كالشجر
شكرًا كهذا الشكر يا أماهُ من قلبي،
شكرا وما في الشكر يا أبتي لمِن قدْرِ
يا ليت شِعري منصفاً شكري
وإلى أولئك الذين فارقونا دونَ أن نودعهم، نقول لهم بأنهم في القلب كانوا وما زالوا، وسيبقونَ دائما في جوارحنا، في كل خطوة نخطوها نراكم تبتسمون فخراً، فحقّ علينا أن نستمر في تكريم ذكراكم.
زميلاتي وزملائي الخريجين، ها نحن اليوم نبدأ حياة جديدة وكلنا أمل أن نبني ونعمر، أن نصلح ونفكر، فحيّ حيّ على البناء والعمل، ولا تنسوا نصيب هذا الوطن وأهله من جهدكم، فهم بأمس الحاجة إلى الأيدي المتعلمة العاملة، المثقفة الخبيرة.
إنها نهاية البداية، وبدايةٌ لأعظم فصل من فصول الرواية، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض أم البدايات، أم النهايات، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين."