مع بداية كل يوم يرفع طلبة جامعة القدس رؤوسهم عاليا، بانتظار أمل جديد تفوح منه رائحة عطر يستنشقه مستقبل زاهر وواعد
في انجاز ما قدمته لهم جامعة القدس، وما قدموه لجامعتهم ولمجتمعهم
لحظات قليلة من عمر كل شخص فينا لا يمكن أن ينساها، ربما نستطيع أن نجزم أن يوم التخرج هي إحداها إن لم يكن أهمها، فالعين تفيض فرحا، والأهل يرقصون، والصيحات تتعالى في كل أرجاء المكان، عندما ينهي الطالب دراسته الجامعية ليطوي صفحة ربما تكون أجمل أيام عاشها، فيها الصديق، ورفاق الدرب، وفيها من قدم كل المساعدة لنصل إلى ما وصلنا إليه من أهل أو صديق أو أستاذ، أو ربما قد يكون الحبيب… فلكل واحد من طلبة كلية الحقوق، الذين ارتسمت على وجوههم اليوم فرحة حصاد جهد دام أربع سنوات بعناء شاق، وقلق دائم، حكاية واحدة اختلف فيها الراوي، هذا ما وجدناه في حفل مشاريع تخرج طلبة كلية الحقوق…
"شهد ووجد"
فقد ناقش طلبة كلية الحقوق مشاريع التخرج، التي تميز كل واحد منهم فيها بعلامة فارقة دفعت العديد لمعرفة خباياها، فالطالبة شهد محمد عملي من كلية الحقوق في سنتها الرابعة من مدينة رام الله، لونت إهدائها في مشروع التخرج بكلمات استذكرت فيها صور الماضي ولمست آمال مشرقة لغد زاهر.
"إلى توأم روحي ورفيقة دربي إلى صاحبة القلب الطيب
إلى من رافقني منذ أن حملنا حقائب صغيرة
معك سرت الدرب خطوة بخطوة… إلى أختي"
عبرت شهد بهذه النسمات الرقيقة التي تتطاير في مخيلتها منذ صغرها عن حبها وسعادتها الشديدتين بمساندة شقيقتها التوأم وجد لها طيلة حياتها العملية والعلمية، فوجد طالبة في كلية الصيدلة شاركت شقيقتها فرحتها بتخرجها، قائلة: " أنا وشهد نتشارك بكل عمل نقوم به، سواء في البيت أو الجامعة، فأقضي معها معظم أوقاتي، فمنذ الصغر ونحن قريبتين من بعضنا البعض، رغم اختيار كل منا مجال دراسة مختلف إلا أننا ما زلنا متلاصقتين في أفكارنا وأعمالنا، نفرح معا، نحزن معا، هذه حياتنا".
وبابتسامة رقيقة بريئة رسمتها شهد على وجنتيها، أكملت ما بدأت به توأمها: "على الرغم من اختلافنا بالشكل إلا أننا متشابهتان جدا بكل ما نقوم به، لكن ما يحزنني بهذه الفرحة، وأنا أناقش مشروعي التخرج، أنني سأبتعد عن توأم روحي وصديقاتي اللواتي لازمنني طيلة حياتي الجامعية، فأروع سنوات قضيتها في الجامعة، بين أساتذتي الذين أحببتهم، وأكن لهم كل احترام وتقدير لمساندتي وزميلاتي في دراستنا.
وعن طموحها بعد أنهت دراستها، قالت: أطمح إلى استكمال دراستي لأحقق ما أصبو إليه، وأكون عند حسن ظن كل من أحبني ودعمني خاصة والداي.
ومن حكاية لحكاية أخرى، ظهرت فيها بطلتها بتميزها بدراستها، آلاء كرجة من مدينة الخليل التي درست الحقوق، وبكل تواضع عبرت عن سعادتها الشديدة بتخرجها وحصولها على معدل تراكمي "90.7"، فقدمت نجاحها لكل من ساندها من أهلها وأساتذتها وصديقاتها.
وتستذكر آلاء لحظات تخرجها من الثانوية العامة، وتقول: عارض والدي بالبداية دراستي لتخصص الحقوق، لكن حبي لهذه المهنة السامية دفعني إلى إصراري على تخطي هذه المحنة، ومحاولة إقناع والدي، بدراسة ما أحب.
وعن سر تميزها، أكدت أن حبها للحقوق دفعها إلى ذلك، مضيفة: أحببت ما عملت فنجحت، وأدعو جميع أهالي الطلبة إلى ترك المجال لأبنائهم لاختيار مستقبلهم ودعمهم بذلك.
وبزاوية أخرى اختيرت لالتقاط صورة جماعية، تعالت فيها صيحات الفرح، ظهر الطالب حمدي الشيخ من مدينة رام الله بأناقته وابتسامته العريضة بين أصدقائه، فكان لنا معه حوار، فبدأ حديثه، قائلا بكل فخر: أعتز أن أكون أحد طلبة كلية الحقوق، كونها أحدى الكليات الرائدة في فلسطين عدا عن تميزها بأنها جزء من جامعة القدس.
وعبر عن فرحته بانجاز مشروع التخرج الذي يحمل عنوان "البصمة الوراثية ودورها في الإثبات الجنائي"، مشيرا إلى أنه أول بحث متخصص في هذا الموضوع على مستوى جامعات الضفة وقطاع غزة.
وتناول بحثه، كيفية تحديد هوية المجرم في حالة غياب الأدلة المادية أو القانونية سواء شهادة الشهود أو البينة الكتابية، وعن طريق البصمة نستطيع معرفة هوية المجرم وتحويله للعقاب والمحكمة المختصة.
واستذكر حمدي في هذا اليوم المميز والده الذي استشهد عام 1990، وقال: درست الحقوق بناءً على رغبة عمي المحامي "وسام حماد" الذي ما انفك بعونه لي طيلة مرحلتي الدراسية ومنذ طفولتي بعد فقدان والدي، فأهدي له كل تحياتي ومحبتي لما قدمه لي.
وبين أروقة المكان لفت انتباهنا طفلة صغيرة تسترق النظرات على كل من حولها وبجوارها شقيقتها التي تحمل بين أيديها علبة صغيرة اهديت لها في يوم تخرجها، تقف ووالدتها وأقربائها، مما دفعنا إلى التقرب منهم والحديث مع والدتها.
تقول والدة حنين قصاص من بيت لحم: "بعد طول انتظار أرى اليوم ابنتي وهي تتخرج، وأتمنى لها كل التوفيق، فسعادتي في هذا اليوم لا توصف، فقد كان حلم حياتها دراسة الحقوق، وقد دعمها والدها بالدرجة الأولى وسنستمر بدعمها حتى تنهي الدراسات العليا بإذن الله".
وبكل خفة جذبتنا حنين إليها بضحكتها الرقيقة، وتبادلنا معنا أطراف الحديث، وقد عبرت عن حزنها لمفارقة صديقاتها اللواتي لازمنها مسيرتها التعليمية، وأضافت: في بداية دراستي بالسنة الأولى، لم اعر الدراسة أي اهتمام لكن بفضل صديقاتي بدأنا بالدراسة بجد والقينا عن كاهلنا ما قد يلهنا عنها، وأنا الآن أحصد ما زرعته، وأشكر الله على كل شي.
فمع بداية كل يوم يرفع طلبة جامعة القدس رؤوسهم عاليا، بانتظار أمل جديد تفوح منه رائحة عطر يستنشقه مستقبل زاهر وواعد في انجاز ما قدمته لهم جامعة القدس، وما قدموه لجامعتهم ولمجتمعهم.