تمر في هذه الأيام ذكرى الاربعين لرحيل المرحومة هبة عزمي الأطرش ابنة الدكتور عزمي الأطرش عميد معهد التنمية المستدامة و رئيس دائرة العلوم التنموية, و بهذه المناسبة الحزينة كتب الدكتور عزمي كلمة رثاء في ابنته الراحلة و رغب في مشاركة هذا الرثاء مع اسرة جامعة القدس..
ابنتي ، هبه ارتسمت صورتك على صفحة ذاكرتي ، وعادت بي حينما كنت تلك الطفلة التي تقطف ثمار البراءة من جنان روحي ،ومن حدائق عمري . كبرت كحبات مطر تسقط في موعدها وتسقي تراب الوجود بوجودها.
لم أدرك يا بذرة جسدي ،ان تلك البذرة سيواريها التراب ،وتقطفها يد المنون قبل الموعد .
اليوم يأتي ….يا ليته لم يأت ……….
جاءني محملا بالحزن ،مركبا بالألم الذي لن ينتهي يوما ما…………
أخذك معه في طيات الغياب ،وأنت ما زلت تلك الوردة التي تتفتح على مقاعد الدراسة ،تقطف من ثمار العلم والأدب باللغة الانكليزية والآداب والثقافة.
تسجلين بمداد مغموس بالم المرض الدرجة الاولى في امتحان الكفاءه ، وفي الفصل قبل الاخير لتخرجك.لم تسمحِ لالم المرض ان يهزمك وأن يلقي بك خارج الحروف .
تسمرت على المقعد …حضنتيه كأنك تردين ان تثبتي للالم ..لا وجود لك هنا ……..أخرج ليس الان لم يحن وقت الموت ……..رفضت السفر والموت خارج الوطن ..وأردت الموت فوق تراب فلسطين ..وأين ؟! في القدس قلت شكرا لله انك منحتني الموت هنا بجاور أقصانا …ما أجمله من موت فيك يا قدس …
ابنتي هبة فراشة أنت بالوان الطيف،ونقاوة حبات الندى ……………
انت من منحني الحياة بكل مكنوناتها …….الفرح..والحب …ومشاعر الأبوة …اه ما اجملك حينما كنت تنادين بابا .. موتك جاء فوق ضفاف العبور ليعبر مداخل قوتي وينفض غبار الجمود بأني رجلا يخفي دموعه في ظل الرجولة …صرخت.. وصرخ موتك في شعاع الابوة ..أنا الأب المسكون بالموت أخرجوا من تركيبتي ..ودعوني لكي أودعك بطريقتي أنا………..
لقد فجعت بانتقالك إلى جوار الله ،لم افجع بسبب الموت لانه هو الحقيقة الكبرى التي يواجهها الإنسان صغيرا كان أم كبيرا ،ملكا أم راعيا اينما وجد .. إنما كيف ستشرق الشمس وشمسك غابت .. كيف سأرى النجوم …ونجومك سقطت ….كيف سأعشق المطر …وقد غاب مطرك …………كيف سأراك وأنت الرؤى التي كانت في رؤياي…………. رحلت واعلن الخريف شيخوخته ، وقد وضعني في سجنين ،سجن الحصار بذكرياتك التي تراقصني وتدغدني …وفي ذات الوقت تنغصني وتسجنني في قمقم الحزن الذي يفقدني القدرة على النسيان ،ربما أتمكن من الخروج والوصول إلى لحظة اتحدث فيها عن فلسفتي في الحب ، الحب المرتبط المتشبث بك .
آه ……….
ما أصعب أن أخبرك………….
اليوم في هدا الصباح المشؤوم إني سأطبع على جبينك البارد الدافئ في قلبي قبلة وداع …
آه ما اقساها من قبلة …ما احرقها من لوعة ……..
ابنتي هبة ….يا هبة الرحمن ..أألحدك الأن بيدي !!!!!!!!!
يا لقسوة القدر !!!
يداي ترتجفان تحترقان ..وعيناي تدمعان
وعقلي ينصب في هذيان الصمت والذهول …..
نامي يا قرة العين……
في وجدان الله كما تنامين في وجداني ،ووجدان أمك التي سحقها الحزن… آه وأي الأمومة التي يعتليها وشاح فراقك ..والبسها حشرجات تغرز صميم الفؤاد كلما تنفست صباحك المغادر. وأنت أدركت يوم فراق خالك حينما آتاه الاستشهاد ونحن نسكن الغربة .. أي حزن سكن أمك !! كيف اليوم وأنت تفارقين رحم وجودها ،وأنت من نسل روحها ورحمها….
آه … لإخوتك أي ألم الشوق يحملون لك ،وأي براكين الهذيان تثور في صمتهم ،ويصرخون ..أختاه ها هي غرفتك الصفراء تلوح لك بأنك هنا………..هنا…….تقيمين في كلّ زاوية وزاوية.
ياعزمي ويا قوتي ويا ضعفي …
خذي معك ما شئت …….من تفوق وصدق وقناعة ورضى وايمان واستقبلي وجه الله …
ونحن هنا نقول لك :
نامي قريرة العين..هادئة النفس …. مطمئنة في جنة الله
لك الرحمة …ولك السكينة ….ولك الحب وكل الحب الذي لا ينتهي ولن ينتهي ما دام للحياة نبض ونبض ………
المكلوم يفراق ابنته/ د. عزمي الاطرش