الهيئة الاكاديمية والموظفين

الأسيرة المحررة سماح خليل عبد الله تروي صفحات مشرقة من التجربة الإعتقالية

عدد المشاهدات: 332

https://www.alquds.edu/wp-content/uploads/archive/news/9-2012/samah abdallah .jpg

د. ابو الحاج : استهداف اسرائيل للاسرى وللقيادة جزء من مخطط استهداف حقوق شعبنا ونضاله من اجل الحرية

على مدى عقود النضال الوطني الفلسطيني سجلت  الاسيرات الفلسطينيات  صفحات  مشرقة  الى  جانب  اخوانهن الاسرى  صمدا  وعطاء  وابداعا  لتتشكل  تجربة  الحركة  الفلسطينية الاسيرة ، الفريدة من نوعها عالميا ،سواء فيما يتعلق بالصمود الاسطوري في مواجهة كل اشكال القمع والاستهداف او ما تعلق منها باشكال النضال

المختلفة وفي مقدمتها الاضراب عن الطعام حيث سجل الاسرى رجالا ونساء ،شيوخا واطفالا ، مرضى واصحاء ارقاما قياسية عالمية تعكس تلك الارادة الفولاذية

وذلك الايمان العميق بعدالة القضية ومشروعية النضال الوطني وحق شعبنا بالعيش بحرية وكرامة على تراب وطنه .واليوم لا زالت هذه الحركة الاسيرة تواجه تحديات جسام في الوقت الذي تتعرض فيه الى تصعيد اسرائيلي ومحاولة لطمس الانجازات الاخيرة التي حققها الاسرى وتراجع ادارة السجون عن تعهداتها ووعودها في استهداف واضح ومتواصل للاسرى.

وضمن هذا السياق حذر  الدكتور فهد أبو الحاج مدير عام مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس ،تنفيذ هذه السياسة المخالفة للقانون الدولي ومؤكدا مجددا ان المطلوب هو وقفة جادة رسمية وشعبية مع الاسرى وتحرك واسع عربيا ودوليا البقاء هذا المللف على جدول اعمال المجتمع الدولي وصولا الى اطلاق سراح كافة الاسرى .

وقال د. ابو الحاج ان سياسة الاستهداف الاسرائيلية لا تقتصر على الاسرى بل هي سياسة  شاملة  تستهدف  الكل   الوطني الفلسطيني ،مشيرا الى  تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان  بحق  الرئيس محمود عباس وقال ان هذه التصريحات  تهدف بالدرجة الاولى الى النيل من صمود ابناء شعبنا وقيادتنا الوطنية ،التي احرجت حكومة الاحتلال ،وتعمل على محاصرتها دوليا ،لا سيما فيما يتعلق بموضوع الجهود الدبلوماسية التي بذلتها القيادة في الامم المتحدة . واوضح د. ابو الحاج بأن مثل هذه  التصريحات  تقود  الى  الاستنتاج بانها بمثابة التحذير الاسرائيلي من الاستمرار في الجهود البناءة التي تبذلها السلطة الوطنية لنيل الحقوق المشروعة ، وانها تعبر عما يجول في  خلد  القيادة  الاسرائيلية  ،من  امكانية  استهداف الرئيس اذا ما اقتضت الضرورة  ، ومن الجانب الاخر تسعى اسرائيل الى قياس ردة الفعل لدى االاوساط محليا وعربيا ودوليا ،ووفق ذلك فاننا نطالب كل قادة العالمين العربي والاسلامي للرد  على  مثل  هذه  التصريحات ،والوقوف الجاد  الى جانب قيادتنا ودعم مطالب شعبنا ،مؤكدا بأن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته يدعم توجهات وتحركات القيادة في الامم المتحدة ،وسيكون حصنا منيعا يفشل كل المؤمرات التي تحتاك ضد قيادته واسراه وحقوقه الوطنية الثابتة والمشروعة .

وسنتناول في هذه الزاوية السيرة النضالية للاسيرة المحررة سماح خليل عبدالله :

السيرة الذاتية :

هي سماح خليل احمد علي عبد الله من مواليد 24/9/1988 ،في مخيم عسكر القديم ،حاصلة على شهادة الثانوية العامة ، وقد اعتقلت لمدة اربع سنوات من تاريخ 6-10-2004 الى 25-2-2008 ،وهي تعمل حاليا مديرة شركة "بيوتي هوم " ، ومركز العروبة الثقافي ،وقد التقاها طاقم مركز ابو جهاد وسجل معها الحلقة الآتية 

البداية :

ولدت ونشأت وكبرت في مخيم اللاجئين عسكر القديم،شرق مدينة نابلس،في الوقت الذي كانت فيه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى في أوج عطائها،وكبرت مع هذا المشهد المقاوم والذي شكل قاعدة وإطار الوعي الوطني والشخصي،وكذلك وعي مختلف أبناء جيلي،وفي مخيم عسكر تفتحت عيوني،وتوسعت مدارك وعي على مفاهيم مصطلحات العمل النضالي،كالإعتقالات والإغتيالات والإقتحامات ومنع التجوال،والإبعاد والإستشهاد،والجرحى والمصابون،والمطاردون.

ومن بين هذا الزخم كان يلمع في سمائي دائماً أسم عمي الحبيب والشهيد خميس عبد الله،والذي إستشهد في يوم 17/1/2002م،بعد مطاردة مسعورة من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية،لقد كان عمي خميس المشهور بلقب ( الفرّنس) بطلاً حقيقياً ،منذ أن كان طفلاً ،وفي اوج شبابه فاز ببطولة الضفة الغربية في رياضة كمال الأجسام،وفي نفس الوقت كان مقاوماً ومناضلاً عنيداً وصلباً،وفي العام 1982م،إعتقل مع مجموعة من رفاقه وهم  نمر العايدي،ومحمود العدوي،لقد شكل عمي بالنسبة لي وبالنسبة لكل أبناء المخيم قدوة تحتذى،وملهماً لنا في العمل الوطني والنضالي،وأستطيع أن أقول بأن عمي هو صاحب الفضل في حسم أمر توجهاتي وتوجهات أشقائي وشقيقاتي نحو النضال الوطني.

لقد حدثني الأخ والصديق ناصر دمج،وهو من الذين رافقوا عمي في أسره في سجن جنيد عنه قائلاً " لقد كان هذا الأسير أسدا حقيقياً له هيئة البشر،وفي جوفه ينبض قلب طفل وبطل، لقد كان خميس أنساناً بسيطاً ووديعاً وخجولا،ومتملكاً لقوةٌ بدنية ضاريةٌ لا تضاهى،لقد حصل خميس الفرّنس على بطولة الضفة الغربية في رياضة كمال الأجسام في العام 1980م، ولن أنسى أبداً ذاك اليوم الذي هاجمنا فيه حراس وشرطة السجن بالغاز المسيل،وأختنق كل من في السجن،إلا خميس الفرنس، الذي بقي واقفاً في وسط الغرفة كمخلوقٌ أسطوري حاملاً  بكلتا يديه أعمدة الطاولة الخشبية التي حطمها داخل الغرفة مع بدء الإشتباك مع شرطة السجن، ووقف خلف الباب ينتظر إقتراب أول شرطي ليحطم رأسه،لقد تملك رجال الشرطة الإسرائيليين الذهول والعجب من هذا المارد،فأجتمع كل ضباط السجن في قسم 5 للتفاوض مع خميس لكي يلقي من يديه العصي،فرفض،هنا تدخل الأخ جمال منصور وطلب من الشرطة الخروج من القسم، ومن خميس التوقف عن شتمهم ،فأمتثل خميس لطلب ممثل القسم ،مدير السجن الإسرائيلي (عباس ) طلب من خميس الخروج من الغرفة، فرفض خميس ذلك، جمال منصور تدخل هنا من جديد، وقال لعباس،أن السجن يحملكم مسؤولية أي مكروه قد يطال خميس، كما أن السجن لا يتحمل المسؤولية عن حياة أي شرطي أو جندي من الممكن أن يقتله خميس في حال الإعتداء عليه،عباس أقسم بشرفه أمام جمال منصور،بأنه لن يطال خميس أي مكروه،وهذا وعد،خميس إستجاب لطلب ممثل القسم بالخروج من الغرفة، بينما رجال الشرطة وحراس السجن أخذوا بالإبتعاد عن طريقه، أقتاده رجال الشرطة عن بعد الى زنازين السجن وهناك مكث ساعة واحدة، خلالها لم يكلمه أحد ولم يقترب منه أحد،بعدها عاد خميس الى القسم" .

وخلال إنتفاضة الأقصى أنخرط خميس في أنشطتها  وفعالياتها، وسجل كما هو متوقعاً منه مساهمةٌ متميزةٌ ،تمثلت بأنه تمكن من إصابة طائرة أباتشي إسرائيلية كانت تقصف أحياء نابلس من فوق قمة جبل الطور، برصاص مدفعه الرشاش من عيار 800 ملم، بعد هذه الحادثة  قررت إسرائيل قتل هذا الفدائي بأي ثمن وبأي طريقة،وطاردته تنفيذاً لذلك مدةٌ طويلةٌ من الزمن، الى أن تمت تصفيته بعد إستدراجه الى كمين إسرائيلي في يوم  17/1/2002م .

ومما ساعد في تعزيز وتنمية ميولي الوطنية،وتعميق وعي البسيط بقضيتنا الوطنية،مشاهدة قنوات التلفزه ومتابعة الأخبار،وخاصة قناة القدس التي أنطلق أثير بثها في بداية الإنتفاضة الكبرى،في العام 1988م،وقررت الالتحاق بالعمل الوطني بدءً من مشاركاتي المتعددة في المسيرات الطلابية والجماهيرية،وغيرها من الأنشطة،وفي العام 2002م،بينما كانت الدبابات الإسرائيلية تعيد إحتلال المدن الفلسطينية،سجلت أول مساهماتي الفعلية في العمل،لهذه الأسباب فأن عملي ونضالي كان يحظى بكل إهتماماتي وميولي،وخلال ست سنوات سبقت الإعتقال قمت بالعديد من الأعمال الوطنية المشرفة والتي تسببت بملاحقة جيش ومخابرات الاحتلال الإسرائيلي لي،كالمشاركة في المسيرات والانشطة والمظاهرات وتوزيع المناشير وغيرها من الاعمال الوطنية.

وفي يوم الأربعاء 6/10/2004م،الساعة السابعة مساءً دهم جيش الإحتلال بيتنا في مخيم عسكر،بعد أن أكمل تطويقه من الخارج،وكان لهم منظراً وحشياً لن أنساه أبداً،حيث كانت وجوههم مطلية بالألوان الداكنة،لتبدو لهم رهبة إضافية فوق وحشيتهم الفطرية،وآخرون كانوا ملثمون بالأقنعة السوداء،وكانوا مدججين بالأسلحة والقنابل،ودخلوا الى غرفتي وكنت في هذه الأثناء نائمة،ولم يكن معهم أي مجندة،وبدأوا بتفتيشها بدقة،ووجهوا أسلحتهم الى صدور الجميع،وبعد تفتيش البيت قاموا بإلقاء القبض علي وسط دموع وبكاء عائلتي وخاصة أمي،وشقيقتي صمود التي طلبت منهم أن يأخذوها عوضاً عني،لكنهم سرعان ما أنهالوا عليها بالضرب واللكمات،رغم ذلك طلبت أمي منهم أن تراني للمرة الأخيرة،وقد إستجاب قائد الجنود لطلبها،وفك من حول معصمي القيود،وأقتربت أمي منى حاضنة ومُودعة في آن،وبدأت بالدعاء لي والرضا علي، بعد ذلك أصعدني الجنود الى واحدة من السيارات العسكرية المتواجدة أمام منزلنا،ورأيت في واحدة من تلك السيارات بأم عيني المخبر العربي الذي كان دليل الجيش الإسرائيلي الى بيتنا،وكان جالساً بلا خجل،وفي داخل السيارة العسكرية التي أصعدني أليها الجنود،أعادوا ربط يدي ورجلي بالقيود،وغطوا عيوني بربطة من قماش،وأنهالوا علي بعدها بالضرب بالقبضات والركلات بأرجلهم.

ولم يمضي وقت طويل على تحرك السيارات العسكرية حتى وصلنا الى معسكر حواره،وكان هناك العديد من المستوطنين،الذين بدأوا بشتمي والسخرية مني،ووضعوني في غرفة ذات جدران وأرضية خشنة،وعندما يتملكني التعب فلا أستطيع الجلوس على الأرض أو إسناد ظهري الى الجدار،وفي هذه الغرفة أمضيت خمسة عشر يوماً،بعد ذلك نقلت الى تحقيق مخابرات (بتاح تكفا)،في هذه الأثناء أستبد في جسدي مرض غريب،وآلم قوي في القدمين والمفاصل،مضاف إليه إلتهاب شديد في اللوزتين،وأصبحت بحاجة للعلاج المُلح،وخلال هذه الفترة لم أرى أي إنسان يذكر،وأصبحت في عزلة عن الزمان والمكان،وكل ما عرفته في تلك الأيام هو بأنه تم نقلي من غرفة رقم (3) الى غرفة رقم (9)،بسبب الرقمين المثبتين على مدخل كل منهما،وسمحوا لي مرة واحدة بالإستحمام بالمياه الباردة لمدة 4 دقائق،علماً أنهم أخذوا مني ربطة شعري،ومنديلي،وبعد مرور خمسة عشر يوماً في هذه الغرفة أخرجت الى المحكمة التي قررت نقلي الى سجن (هشارون- تلموند).

الدخول الى السجن :

وهناك وجدت العديد من المناضلات الفلسطينيات،كالأخت أمنه منى وعبير عمرو وسناء عمرو وأمية الدمج وأيام عبدالله وعائشة عبيات وعرين شعبيات وراوية الشيخ وسيما عنبص وإبتسام العيساوي وغادة الطيطي وسميرة جنازرة وليلي البخاري وإيمان غزاوي وفريال جعارة ورهام وهبه يغمور ومنال غانم وسعاد أبو حمد وسعاد نزال وتهاني حفناوي وأسماء حسين عبير ندى خولة حشاش سعاد غزال امال محمود لطيفة ابو ذراع وأميرة أبو ذراع ،وغيرهن من المناضلات،وكانت حالتي في هذه اللحظة كمن وجد كنزاً ثميناً،أو كمن خرج من ديجور الظلام  فجاءة الى الفضاء الفسيح،ورويداً رويدا بدأت أكتشف صعوبة ومأساوية الحياة التي تعيشها الأسيرات في السجن،وفي مقدمة تلك الصعوبات سياسة القهر والإذلال التي تنتهجا إدارة السجن ضد الأسيرات،والمعبر عنها بسياسة بإجراء التفتيشات،وإقتحام الغرف ليل نهار والشبح،والضرب بمبرر وبلا مبرر،ورش الغرف بالغاز المسيل للدموع،ومنع زيارتنا للأهل،وتعذيب الأهل أنفسهم بالوقوف والإنتظار خارج أسوار السجن،والحرمان من الكانتين،ومنع الأسيرات من مقابلة المحامين،والعزل في الزنازين،مع الفئران والقوارض،والتقييد بالقيود البلاستيكية،لقد كانت وما زالت حياة الأسيرات قطعاً دامية من العذاب،وأستطيع أن أقول لك بأنني كنت كما باقي الأسيرات أموت في اليوم الواحد أكثر من مرة،لكن الله سبحانه وتعالى أمدني وأمدهن بالقوة اللازمة لتحمل كل تلك الظروف والصبر على بطش وقمع السجان.

ومن المعروف عن مقبرة سجن الشارون،بأنه شُيد في فترة الإنتداب البريطاني وكان مقراً لشرطة الخيالة الإنجليز،وهو يقع الى الشمال من تل أبيب،وفي عام 1953م،حولته إسرائيل الى سجن،ويعد اليوم مجمعاً كبيراً للمعتقلين،ففيه قسم للمساجين الجنائيين الإسرائيليين،وقسماً للأسرى الفلسطينيين،وأقسام للأسيرات الفلسطينيات وهي 11 و12 إما القسم رقم 13 مخصص للأسيرات المعزولات،ووصف تقرير لنقابه المحاميين الإسرائيليين  سجن  (التلموند – هشارون ) نشر في العام 2004م،بأنه لا يليق بالبشر،لأن مبناه  قديم،وجدرانه مشبعة بالرطوبة،التي تؤثر بدورها على صحة الأسيرات وتعرضهن للاصا به بالكثير من الأمراض الصدرية وآلام الظهر والمفاصل وغيرها من الأمراض كون غرفه وزنازينه لا تدخلها أشعة الشمس،ورائحة المباني فيه عفنه تماماً،بسبب المجاري القديمة،وتكاثر الحشرات  والقوارض فيها.

التحقيق والمحاكمة :

تم نقلي الى معسكرحوارة ووضعوني بغرفة صغيرة وفي ذلك الاثناء كنت مغممة الاعين  فقاموا بوضع جهاز غريب علي يدي ولااعرف ماهو وفي نهاية الامر قال لي الضابط انه جهاز فحص الضغط ومن بعدها قام بشيل القطعة السوداء الموجودة على عيني لم يكن هناك أي مجندة معي اذ انتظرت  ساعة كاملة وانا على هذه الحال  ،ومن هذا المكان تم نقلي بواسطة سيارة كان بداخلها صندوق أقرب ما يكون لثلاجة،فتم وضعني بداخله،ولم يكن لهذا الصندوق أية فتحات ترى،ومكثت فيه أكثر من ساعتين وأنا مكبلة اليدين والقدمين ومعصوبة العينين،بعد أن وصلنا الى حيث نحن ذاهبون،وهو مكان أجهله كان ضغطي منخفضاً تماماً،فأخرجني الجنود من قلب الصندوق،فرأيت من حولي منظراً بديعاً لأرض جميلة مزروعة بالأشجار والزهور الملونة،ومن قلب هذا المشهد غطست تحت الأرض وسرت في ممرات وطرق مُظلمه وضيقة،فسألت الجندي الذي كان يرافقني،أين نحن ؟ فأجاب بالعبرية أنت في ( بتاح تكفا)،وقال لاحقاً بعد أن سألته عن معنى الأسم بالعربية،إنها منطقة ملبس،بعد ذلك أدخلني الجنود الى غرفة صغيرة جداً،ليست كأي غرفة عادية،وفيها فرشة واحدة ووحيدة،ولك أن تتخيل إن الفرشة بحجم هذه الغرفة،وفي سقفها ثبت ضوء كهربائي أبيض يعمي العين عند النظر أليه،ولا يوجد فيها أي شباك،ولا يمكن المشي فيها إطلاقاً،ومكثت فيها خمسة ساعات بعدها جائني على ما يبدو أنه أحد المحققين،ووضع على عيني نظارة سوداء،وأخرجني منها،وبسبب هذه النظارة لم أبصر الطريق،لكنه إقتادني بيده الى حيث يريد،فتوقف المحقق وتوقفت معه وأدخلني الى غرفة جديدة وأجلسني على كرسي،ونزع عن عيني النظارات،وبدأ التحقيق معي حول التهمة الموجهة لي وهي الشروع بتنفيذ عملية إستشهادية،وكانت الساعة تشير الى التاسعة مساءً حسب تقديري،وأمضيت أكثر من ثماني ساعات وأنا جالسة على نفس الكرسي مقيدة اليدين والرجلين،هنا جاء المحقق الأول ووضع على عيني النظارة السوداء مرة ثانية،وأقتادني في طريق جديد،وتوقف أمام باب زنزانة جديدة عرفت ذلك بعد أن نزع النظارات عن عيني،ودفع بي الى داخلها،وكان فيها ضوءً خافتاً،ومغسلةٌ صغيرةٌ وحنفية مياه،لم تتوقف عن إزعاجي أبداً وهي تقطر نقاط الماء من فوهتا لقد امضيت نصف شهر وانا لاارى أي اشخاص او حتى نور السماء.

أيام الأسر بصحبة الأسيرات :

لقد منحتني ظروف التحقيق قدرات جديدة على الصبر والصمود،وعدت بعد ذلك الى سجن الشارون،ومع الأسيرات بدأت مشوار التعرف على واقع وظروف الإعتقال المريرة،وكنا نعيش بمعدل 6- 8 أسيرات في كل غرفة،وكانت هذه الحياة تتسم بالتحدي لإدارة السجن والإحتلال بشكل عام،الأمر الذي كان يوفر بداخلنا منيعاً متجدداً للصبر والصمود،ومعهن أيضاً تمكنت من تطويع ظروف الإعتقال وتحويلها الى فرصة حقيقية للإستفادة من محنة الإعتقال، حيث كان ينكب الجميع على القراءة والمطالعة،بالإضافة الى الجلسات التنظيمية والثقافية والعلمية،وتمكنت من الحصول على شهادة الثانوية العامة في سجن الشارون،وتعلمت وأتقنت اللغتين العبرية والإنجليزية،وقمت بواجبي التنظيمي خير قيام،وكنت مسؤوله فرقة ( دلال المغربي ) للدبكة،وأمارس هواية الرسم على الجدران وكتابة الشعر،ونمت لدي موهبة التخطيط ،وخلال وجودي في السجن أستطيع أن أقول لك بأنني قد قرأت أكثر من 350 كتاب،من مختلف المواضيع والمجالات العلمية والثقافية،وعلى هذا النحو أمضيت محكوميتي داخل الأسر.

إعتقال شقيقاتي :

تم إعتقال أختي ( أيام ) بتاريخ 12/10/2004،بعد إعتقالي بتهمة تخطيط وأمضت سنتين داخل السجن,وتم إعتقال أختي (صمود)بتاريخ 16/4/2008 بتهمة محاولة طعن جندي إسرائيلي على حاجز عطارة،وأمضت في الأسر سنه وسبعة شهور،وتم الإفراج عنها ضمن صفقة جلعاد شاليط الأولى، مقابل شريط الفيديو .

وتم إعتقال أخي (جلال) أيضاً في العام2004،بتهة حيازة أسلحه وتهريبها وأمضى سنتين في سجن النقب الصحراوي،وتم إعتقاله مرة ثانية في العام  2008ولم يفرج عنه لغاية الأن .

التحرر من الأسر :

يوم أبلغت بنبأ الإفراج عني،كان هذا الخبر مفاجئاً لي،حيث كنت معزولة في سجن الرملة ومضربة عن الطعام أيضاً17يوم ،ولذلك بسبب قمع الادارة لمعظم الاسيرات وتوزيعهن على سجن الجلمه وايلون والرمله وكان لنا مطلبنا وهو الرجوع الى سجن التلموند الذي يقبع به جميع الاسيرات وأذكر أنه كان اليوم السابع عشر من أيام إضرابي،وكان مفاجئاً لي بسبب،أنه كان قد أضيف على تعداد أيام إعتقالي كامل الأيام المقررة للسجن بدل دفع الغرامة التي فرضت علي مع قرار الحكم،ومدتها 3 شهور وكان مقدار الغرامة هو 3000 شيكل،ولم أدفعها بسبب صعوبة ظروفي المالية،وهكذا أصبحت مهيأة لإستكمال فترة إعتقالي بسبب عدم دفع الغرامة،وبالفعل فقد أمضيت ثلاثة أيام جديدة من هذه الفترة،لكن أهلي كما يبدو قد تمكنوا من دفع الغرامة خلال إضرابي عن الطعام،وأستلمت إدارة السجن ( وصل الدفع للغرامة )،وتم الإفراج عني من سجن الرملة،وغادرت السجن بالملابس الرياضية،لأنه لم يكن لدي ملابس بسبب حرماني من الزيارات.

بعد التحرر من الأسر يمكنني أن أقول لك بأني قد بدأت حياتي الجديدة من الصفر،بسبب الظروف المعقدة التي واجهتني،وتأكدت من إنني لم أغادر السجن الإسرائيلي الضيق فعلياً،بل أنتقلت الى سجن صغير وفي الهواء الطلق .

شارك المقال عبر:

د. فهد أبو الحاج : في دراسة لمركز أبو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة…. الاسرى المعزولون … أوضاع مأساوية في ظل التصعيد اسرائيلي ضدهم
إصدار جديد للـ أ.د. حسام الدين عفانة: الجزء الثالث من كتاب “يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة”

آخر الأخبار

ربما يعجبك أيضا

Al-Quds University