مركز أبو جهاد يواصل توثيق تجارب الأسرى ويرصد ابداعاتهم
الاسير المحرر المناضل محمود جبري يسلط الضوء على انسانية الاسير الفلسطيني
عدا عن حكايات التضحية والنضال والصمود الاسطوري للاسير الفلسطيني في سجون ومعتقلات الاحتلال يبرز البعد الانساني لهذا الاسير في حكاية كل اسير عن تجربته، عن احلامه وطموحاته واهدافه، تماما كما تبرز في ابداعاته سواء الفكرية او الفنية، فهذا الاسير من لحم ودم له اهل واصدقاء وعالم خاص به، له مشاعر واحاسيس كما لكل بني البشر.
وضمن هذا السياق يقول د. فهد ابو الحاج، مدير عام مركز ابوجهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس ان الاسير الفلسطيني انسان اولا واخيرا، بل ان طبيعته الانسانية دفعته للبحث عن حريته وحرية شعبه والتضحية بأغلى ما يملك من اجل تحقيق ذلك مشيرا الى ان تجربة الحركة الاسيرة على مدى عقود تجسد حقيقة البعد الانساني للاسير الفلسطيني بنضاله من اجل الحرية وبأحلامه وآماله وتطلعاته وتضامنه مع نضالات كل احرار العالم.
الاسير المحرر محمود جبري
هو محمود جبري محمد خصيب (ابو طالب ) ، من مواليد وسكان قرية عارورة – رام الله ،
متزوج واب لاربعة ابناء ،وقد تم اعتقاله للمرة الاولى في العام 1985 لمدة عام ونصف تلاه العديد من الملاحقات و الاعتقالات بلغ مجموعها ثلاثة عشر عاماً كان اَخرها الاعتقال لمدة تسعة أعوام من بداية العام 2003 بعد مطاردة لمدة عامين وتم الافراج عنه بتاريخ 28/12/2011 في الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى التي تمت بين حماس واسرائيل .
وقد التقاه طاقم مركز ابو جهاد يتحدث عن تجربته الاعتقالية فيقول :
أستطيع ان اوجز تجربتي الخاصة التي هي في الاصل جزء من تجربة نضالية عريقة سطر حروفها جيل من سبقونا في الحركة الوطنية الاسيرة في سفر المعجزات ، فاقول ان تجربتي الاعتقالة مرت بثلاث مراحل كل منها لها سماتها الخاصة .
الاعتقال الاول
ففي الاعتقال الاول دخلت الى سجن رام الله في حينه وبعد ذلك سجن الخليل على واقع منظم شبه مثالى صاغه الفدائيون الاقدم منا في الإعتقال يتمثل بالالتزام والانضباط والعلاقات المتينة بين ابناء التنظيم الواحد التي يحكمها نظم ولوائح وممارسات تبدأ بتنمية الاخلاق العامة مثل احترام الكبير والعطف على الصغير والصدق و الامانة وحفظ اللسان ونبذ الالفاظ النابية وغيرها من الاخلاق الحميدة لتصل الى نظام اداري قائم على توزيع المسؤوليات والاحتكام الى لوائح تنظيمية تمثل قانون التعامل بين الاسرى ، كما كانت العلاقات الداخلية مهمة داخل التنظيم الواحد كانت لا تنقصها اهمية العلاقات الوطنية والفصائلية من خلال اعراف وقيم ومثل شكلت اساسا في تنمية الوعي الديمقراطي لدى الاسرى المتمثل بقبول الآخر واحترام وجهات النظر الاخرى وخضوع الاقلية لرأي الاغلبية واحترام الاغلبية لراي الاقلية ….هذه الامور كانت الاساس في صقل الشخصية العامة للاسير أي بناء الشخصية ، اما الجانب الاخر كان بناء الذات وشحذ الفكر ، بهذا الجانب كان يتم تحويل الشخص من مناضل عفوي قد يكون وصل السجن نتيجة اندفاع عاطفي او عمل عفوي الى مناضل حقيقي عقائدي ينطلق من قناعات فكرية قادر على ترويجها والدفاع عنها ، وهذه التجربة كانت ونتيجة للمناخ العام تختلف عن سنوات الدراسة في المدرسة لاحظت الفرق شديدا اذ انه لم يكن قد مضى على انهائي لامتحانات الثانوية العامة سوى اسبوعين قبل اعتقالي .. في المدرسة كنت اضجر من القراءة والكتب واقضي جل الوقت في الدرس اتثائب ونعس ،لكن في السجن كنت اقبل على الجلسات والكتب والكراسات بنهم وشغف ، اريد ان اعرف كل شيءفي نفس الوقت كمن يبحث عن سر الاسرار يسابق الزمن ويلتهم المعرفة .
بدانا في برنامج المبتدئين وعيوننا تتجه الى برنامج المتقدمين ما ان وصلناه حتى اتجهت الى برنامج الكوادر ، لم يبقى شيء الا وتعلمناه في السجن .. كان سهلا على الشخص يجد عائلة اكبر من عائلته واهل اقرب من اهله يعيش علاقات لاتحكمها مغريات الحياة ومشاغلها ، يتالف مع المكان ويالف الزمان ويعشق البشر المحيطين به حتى ان لحظة الافراج تكون صعبة لانها ستكون لحظة وداع وفراق قد تراق فيها الدموع ويعلو فيها النشيج .
في ذاك كانت حالة الصدام الدائم مع ادارة السجن تشكل عزاءً وحافزاً على الصمود خاصة بعد صفقة تبادل الاسرى 1985 (صفقة جبريل) وكانت مصلحة السجون تشن هجوما على منجزات الحركة الاسيرة التي حققها من سبقونا بتضحياتهم وصمودهم ومقاومتهم .. فحالة التصدي الدائم لممارسات واستفزازات ادارة مصلحة السجون كانت دائما توقظ شعور الاسير انه في خندق نضالي متقدم في التصدي لحملات التفتيش التي كانت تقوم بها ادارة السجن والتي كانت في ذاك الوقت تستهدف كراساتنا الثقافية والفكرية والسياسية تلك التي كان قادة الاسرى قد كتبوها بخط ايديهم ونتاج مخزون عقولهم وفكرهم المتقد ، كما كانت حالة اليقظة حاضرة لمواجهة محاولات الادارة المساس بكرامة الاسير وكثيرا ما كانت تُتخذ قرارات صادرة عن اللجان النضالية العامة لمواجهة مثل هذه الممارسات مثل رفض التفتيش العاري او ضرب احد افراد الشرطة … الخ وكانت هذه القرارات ملزمة واجب تنفيذها لكل الاسرى .
ان اهم ما ميز تلك المرحلة انها اوجدت قاعدة علاقات واسعة داخل التنظيمات ساهمت وساعدت في انجاح بناء الهياكل التنظيمية التي قادت الانتفاضة الاولى المباركة .
كانت الخطوات النضالية لها اشكالها بحسب حجم المواجهة وكان ارقى هذه الاشكال واقواها هو الاضراب المفتوح عن الطعام و لهذا الشكل من المواجهة خصوصية عالية حيث انه الامر الوحيد الذي يلزمه قرار نضالي بالاجماع من كافة الفصائل والتنظيمات وكذلك استفتاء عام داخل كل تنظيم على حدة اذ لايجوز التفرد في القرار في هذه الحالة وغير مسموح القيام بخطوات فردية كان يقوم شخص او مجموعة او حتى تنظيم بالاضراب لوحده ، كان يسبق الاضراب مسيرة عمل على عدة جبهات اهمها الجبهة الداخلية بحيث كانت تستدعي الاعداد الجيد والتعبئة وشحذ الهمم وكانت تشكل لهذا الغرض لجان نضالية من كافة التنظيمات توزع عليها المهام مثل اللجنة الصحية التي تقع على عاتقها مهمة التوعية الصحية للاسير خلال فترة الاضراب وطريق فك الاضراب وكيفية التعامل مع المضاعفات ان حصلت ، ولجان اخرى تختص بالتعبئة مهمتها اعداد الاسرى لمواجهة اشاعات الادارة والحرب النفسية التي ستشنها ادارة مصلحة السجون ولجان تختص بشرح الحقوق المسلوبة و الحقوق المهدده الواجب استعادتها والمحافظة عليها وكذلك تحدد لجان للتواصل مع الخارج ولجان المفاوضات مع الادارة ولجان ظل تقوم بادارة الواقع في حال تم عزل قيادة السجن في الدقيقة التسعين وعند الاعلان عن بدء الاضراب تشكل لجان وطنية لادارة شؤون السجن ويتم حل الهيئات التنظيمية بحيث لايكون هناك سلطة اخرى غير سلطة اللجان الوطنية .
كانت تركز تلك الفترة على تعبئة الاسير بالقيم الثورية التي تجعل منه في حال تحرره عنصر جذب وتاثير على الجماهير ، والية مواصلة عطائه النضالي بطرق آَمنة تبعد عنه شبح الاعتقال وإن اعتقل تجعل منه مناضلا صلبا في التحقيق بحيث يكون مدركاً لأساليب التحقيق من جهة ومتوقعا للخطوة التالية حتى يتمكن من مواجهتها .
عندما يقال ان السجون كان يراد لها ان تكون مقبرة للروح الوطنية والثورية ومعازل تستخدم لإفراغ الإنسان الفلسطيني من محتواه الوطني والنضالي وتحويله الى كم مهمل ومفرغ يشكل عبء على شعبه وثورته ويكون عبرة لمن يعتبر بدلا من ان يكون مثلا اعلى يحتذى تم تحويلها بفعل عطاء وتضحيات وصمود الاسرى الذين نذروا انفسهم لمواصلة النضال في كافة الميادين والساحات الى مدارس ومعاهد وجامعات ثورية تخرج الاجيال لتواصل الثورة والنضال .
اعتقالات متكررة خلال الانتفاضة
الإعتقالات التي تلت كانت في الانتفاضة الأُولى وما ميز هذه المرحلة كانت شموليتها لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني ففي الفترة السابقة كان الاسرى من فئات محددة اما في هذه المرحلة فاصبحوا مئات والوف وعشرات الالوف ممن دخلوا السجون والمعتقلات سواء في الاداري او الاعتقال الاحترازي او ممن حوكموا لفترات طويلة او قصيرة كان لهم تاثير في حال الحركة الاسيرة اذ انهم اوجدوا واقعا جديدا جعلها تفتقد للقيادة المركزية التي طالما كانت تقودها في الخطوات الاستراتيجة ، ففي الوقت الذي افتتح فيه سجن النقب والاعداد الهائلة التي كانت موجودة فيه اصبح مركزا اخر للثقل و القيادة ومع ذلك حتى في مرحلة دخول هذه الاعداد الهائلة من الاسرى وفي وقت قصير للمعتقلات الا ان الحركة الاسيرة كانت ما تزال تحافظ على القيم والمثل والاعراف التي تقوم على اسسها صلابة الحركة الاسيرة اذ ان معظم الاسرى الذين اعتقلوا في بدية الانتفاضة الاولى هم اصلا كانوا اسرى محررين في اوقات سابقة فنقل هؤلاء التجربة وعمموها واثروها بتجاربهم الشخصية والعملية لذلك نجد ان تجربة معتقل النقب لا تقل نضوجا واهمية عن تجربة سجون اخرى مثل جنيد وعسقلان ونفحة وشطة
ميز تلك المرحلة بروز تنظيمات جديدة على ساحة النضال الوطني تحاول ان تصبغ الواقع بنموذجها الخاص وكثيرا ما كانت تخشى الانخراط في المؤسسات النضالية العامة خشية ذوبانها في عراقة التجربة التي كانت سائدة مثلا كانت التنظيمات الوطنية قد وصلت الى نتيجة قررت على اثرها وقف التحقيقات الامنية القاسية واقتصارها على الاستجوابات و المراجعات فقط كانت تلك التنظيمات تصر على الابقاء على هذا الاسلوب من العمل الامني الذي خلف الكثير من الضحايا وهذا ناتج عن تباين في الوعي بين من يعتبر الحالات الامنية ضحايا احتلال ومن يعتبرهم مجرمين بحق شعبهم ، مع ذلك فان هذه المرحلة كانت رافدا اساسيا للانتفاضة الاولى بجيل واع من المناضلين المتمرسين في العمل التنظيمي ذاك الجيل القادر على اجراء حراك متفاعل لتقييم وتقويم الاداء التنظيمي على الارض.
قيادات ميدانية
كان تركيز العمل في تلك المرحلة على اعداد اكبر عدد من قيادات الميدان الذين تقع على عاتقهم مسؤولية قيادة الجماهير في مدنهم وقراهم ومخيماتهم واحيائهم تلك المواقع التي كانت تمثل ساحة المعركة خلال الانتفاضة الاولى وذلك من خلال العمل على صقل المناضل فكريا بحيث يكون قادرا على اشراك اكبر عدد ممكن ممن يحيطون به في فعاليات الانتفاضة وتوعيته لطبيعة المهام التي سيقوم بها سواء على الصعد الادارية او الامنية وحتى القضائية التي كانت تفض خلافات المواطنين دون اللجوء للمحاكم التي كان يشرف عليها الاحتلال كما التدريب على اليات تفعيل كافة شرائح المجتمع فيما يخدم نجاح الفعاليات النضالية اليومية.
مطاردة
مع بداية الانتفاضة الثانية ( انتفاضة الاقصى ) وكوني كنت اعمل في مكتب اللجنة الحركية العليا لحركة فتح / الضفة الفلسطينية مع الاخ مروان البرغوثي امين سرها وقائد التنظيم في الضفة ومهندس انتفاضة الاقصى وكون المكتب اصبح قبلة المناضلين المشاركين في الانتفاضة كنا من اوائل المطاردين الى ان تم اعتقالي في بداية العام 2003 . كثيرة هي الامور التي وجدتها قد تغيرت في هذه التجربة عما سبقها وذلك لعدة اسباب منها اثار اتفاقيات اوسلو وقدوم السلطة الى ارض الوطن و قوة التنظيمات الاسلامية اما القضية الاولى فكان لها اثارها السلبية كما الايجابية ، الايجابية كانت وجود مؤسسات تابعة للسلطة تعنى بشؤون الاسير وتامين احتياجاته من محامين ومعاش ومصروف كانتين سيما وان ادارة مصلحة السجون كانت قد عملت تقليصات كبيرة في مستحقات الاسير مثلا لم تعد تصرف دخان للاسير ولا شفرات ومعجون حلاقة ولافرشاة ومعجون اسنان ولا ملابس باستثناء زي مصلحة السجون ولا صابون ومواد تنظيف كل هذه الامور باتت على حساب الاسير أي ان تكلفة الاسير باتت تنفقها ادارة مصلحة السجون على تطوير وسائل التضييق والقمع وبناء سجون جديدة وتحصينها ، من جانب اخر بات الاسير مسجون على حسابه الشخصي فهو مطلوب منه تامين كافة احتياجاتة الاساسية وكذلك الطعام المعتمد على ما توفره كانتين السجن.
تأثير قيام السلطة الوطنية
ان انكشاف الحالة التنظيمية بعد قيام السلطة وعودة جزء من القيادة من الخارج كان له أثره على الحركة الاسيرة بحيث ان بعض التنظيمات اوقفت برامجها التنظيمية واقتصر نشاط الهيئات التنظيمية فيها على ادارة شؤون الحياة اليومية اختلفت الرؤى والاولويات حتى الاضراب المفتوح عن الطعام خرج عن اطار الاضراب المطلبي ليكون في بعض الاحيان اضراب سياسي
في عام 2004 وبعد تمادي ادارة مصلحة السجون في قمعها وتضييقها على الاسرى مستفيدة من الحالة الدولية التي باتت تناهض الارهاب وفي محاولة منها لوسم نضالنا الوطني بالارهاب بدأت تمارس شتى اصناف الاستفزاز والقمع وامتهان الكرامة من خلال اجراءات التفتيش العاري والتنقلات المستمرة وامعان وحدات مصلحة السجون مثل وحدة نحشون ومتسادة ووحدة السميم ( مكافحة المخدرات ) في اذلال الاسرى وقمعهم لاجل ذلك كان القرار بالذهاب الى الاضراب المفتوح عن الطعام حيث كان قد تاجل عام وذلك بسبب صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله في العام 2003 ، ان تجربة الاضراب لم تكن جديدة علي لكنني اكتشفت فيها شيئا جديدا هو ان اعضاء الجسدواعصابه واحاسيسه تنتظم مع ارادته في الثأر لذاته و لكرامته و لحريته المعنوية تبحث عنها في المسامات الدقيقة في جدران الاسمنت الباردة ، في انسياب شعاع نور تسلل الى زنزانتك خلسة عن عيون السجان في أجزاء الثواني الثقيلة التي تمر بتردد تحاول ان تنتزع منك الامل .
نعم في اضراب 2004 لم تكن الانجازات كما ينبغي لكنها بالحد الادنى اوقفت هجمة شرسة كانت تهدف الى علاج الوعي الوطني والثوري الفلسطيني بالكي بالنار وحرفة عن الاتجاه الصحيح .
حرمان من الزيارة
في هذا الاعتقال تم نقلي في معظم السجون ولفترات زمنية مختلفة ومنعت من الزيارة لفترات طويلة تارة كعقاب لي وتارة اخرى كعقاب للاهل ولاسباب واهية حتى ان احد الاسباب انه لايوجد صلة قرابة بيني وبين والدتي وهذا حال معظم الاسرى بل ان منهم لم يزره اهله لمدة تصل الى عشر سنوات ، في السجن عندما تكون ذو تجربة سابقة يعني انه مطلوب منك دور مميز كان تكون اب او اخ اكبر لشبان عديمي التجربة الاعتقالية و ان تستوعبهم وتحتويهم و ان تتعامل مع نفسياتهم المختلفة حتى ولو على حساب اعصابك وصحتك أي انك لست ملكك بل ملك الاخرين المحيطين بك. في السجن عندما تكون طبيعيا فانك هيكل قائم على ازمات قد لاتكون مأزوما لكنك تعيش مجموعة من الازمات صحيح ان الاسير مناضل وثائر وصنديد واستثنائي قادر على تحمل الصعاب وتطويع الظروف ومتوقعا منه ما لم يتوقع من الاخرين لكننا نظلمه اذا لم نتذكر انه انسان له همومه وشؤونه واهتماماته واحلامه واماله بل قد يكون اكثر من الاخرين حساسية وعاطفية وحالما متفائلا محبا للحياة الحياة الكريمة الجميلة الخالية من القهر الذل والاستعباد لذا هو مناضل حمل هموم شعبه وقضيته وناضل من اجلها وبالتالي اعتقل واصبح اسيراً .
أزمات
قدتكون ازمة الحرية احدى هذه الازمات فهو يبحث عن حريته في كل شيء، في تامله لخيط غبار تعلق على شعاع الشمس المتسلل من شبك زنزانتة الذي بالكاد يتسع له يبحث عنها في القراءة حتى لو كانت ابسط الروايات ليعيش في احداثها خارج نطاق الزمان وضيق المكان اوالكتابة حتى كتابة رسالة لاي شخص مهما كان بعيدا عنه ليروي له عن احلامه واماله في فضاءات الحرية ،يبحث عنها في رسوماته وخربشاته على وحه صفحة استلقت امامه مخدرة بلا حراك يترجم عليها خيالاته وشروده ما ان يفيق حتي يرى طوطم حريته مسجى امامه.
اما ازمة الخصوصية التي يرغم الاسير ان يتنازل عنها بحكم الظروف فانه يبحث عنها فلا يجدها الافي بعض مظاهر الحياة المكبلة ، فقد يجدها في ترتيب ملابسه في الرف المخصص لترتيب ملابسه وربما بعدم ترتيب ملابسه او التميز في طريقة طوي فراش نومه او السير بمفرده في ساحة النزهة وهذه قلما وندر ان تتاح للاسير فرصة القيام بها ، فالمعتقل مجتمع لا خصوصية فيه .
وازمة الصحة التي يعيشها الاسير ناتجة عن اهمال متعمد من قبل ادارة مصلحة السجون للموضوع الصحي او لوجود ازمة ثقة اصلا بين الاسير والطبيب السجان فعلاجهم المسكنات وطبيب الاسنان علاجه القلع ولطالما مارس هؤلاء الاطباء الضغط على الاسرى خلال التحقيق او كانو يبتزون الاسرى لاجبارهم للعمل عملاء مع ادارة المعتقل ، لذا فهو يلجا الى استخدام بدائل مثل الحجامة لعلاج الصداع والفصد لعلاج الام المفاصل وكثيرا ما يلجا الاسرى الى عمل المساجات القاسية للتخلص من الوّثاب او التقلصات العضلية وخلطات مواد التنظيف من انواع صابون وشامبوهات لعلاج الامراض الجلدية ان وجدت او للوقاية منها .
ازمة الروتين لا جديد في حياة الاسير ولو اذعن لهذا الروتين لاصبح يتاكل من الداخل حتى يذوي وينتهي ، فالايام متشابهة والاحاديث كذلك حتى البشر بعد مضي عدد من السنوات يبدون متشابهين او على الاقل متعارفين ومعروفين لاتتفاجأ في أي منهم ولا تندهش مما يبدر منهم فلا جديد سوى احلام تاوي الى فراشك ذات مساء تحدث بها اصحابك طوال الاسبوع او تبحث عن مُأول للاحلام ليفسرها لك او تأتي بخبر من زيارة الاهل يفضي على الاجواء مظاهر الحياة اليوم يجد الاسير في محطات الاذاعات المحلية محطما للروتين من خلال برامج التواصل مع الاسرى .
لو قيل لاحدهم ان الاسير يعاني من ازمة في الوقت لربما ضحك بملء فيه او ادار راسه مستهجنا ، لكن الحقيقة ان الاسير يعاني من ازمة في الوقت ، في ادارة الوقت او التحكم به ، ففي الصباح تستيقظ على عدد الصباح الذي يحدد وقته السجانون وبعدها يبدأ يومك في عرفهم وقت النزهة الصباحية ( الفورة ) لاخيار لك الا ان تخرج او ان تبقى حبيس زنزانتك حتى نزهة المساء ، وقت طعامك حتى وقت ذهابك الى المرحاض في بعض الاحيان ليس حسب ارادتك اذا تزامن مع وقت العدد او الفحص الامني ، وقت نومك يستباح في وقت التفتيشات الليلية حتى في بعض السجون حاولوا التدخل في وقت الصلاة مع ان وقت صلاة الجمعة يتحكمون به اذا هي ازمة الوقت التي يعاني منها الاسير
وبالحديث عن ازمة العاطفة فكما اسلفنا قد يكون الاسير اكثر من الاخرين عاطفيةًً وحساسيةً عواطفه جياشة دائم الشوق والحنين للاهل والاحبة والاصدقاء والامكنة والمساحات والفضاءات والاشجار والثمار فقد يحنو على عصفور علق داخل الاسلاك الشائكة فتكون عنده قصة حزينة يتحدث عنها لسنوات ، او تجده يتفاعل مع نكته بسيطة ويضحك عليها بنشوة طفل صغير يحن الى ادق تفاصيل الحياة خارج المعتقل ترتعد اوصاله وتنتصب شعيرات جسده عندما يتحدث او يستمع الى حديث شجن عما يحنو اليه ، عن الاهل ، عن الابناء ، عن الاخوة ، عن حفلة عرس او بيت عزاء او ايام قطاف الزيتون او فعاليات كفاحية بمناسبات معينة ، كتلة من المشاعر عندما لا تجد لها مخرجاً تنسحب الى الداخل فتضيق بها النفس فتخرج دون ارادة في بعض الاحيان بصورة ما وبشكل ما .
قد اكون تناولت التجربة الاعتقالية من زاوية اخرى غير تلك التي طلما تحدث عنها الاخرون ولكنني واثق من ان ما قلته وغيره الكثير مما يجب ان يقال لهو تعبير حقيقي عن حالة الاسر والاسرى هذه الايام فالاسير الانسان مفقود لايجده احد ولا يوجده احد في ذاكرة الشعب والاجيال فذاك الانسان الجبل والمتراس ننسى او نتناسى انه ذاك الشاب الصبي الذي يستهلك ويقضم عمره امام ناظريه فالايام تتوالى والسنون تمر والزمن يمضي ويشيخ ذاك الشاب وهو يحلم بفتاة احلامه التي رسمها بريشة احلام الطفولة على جدران ذاكرته ، انه ذاك الاب الذي يكبر ابناؤه وهو بعيد عنهم قسريا همهم يثقله ، تؤرقه تساؤلاته:- كيف يمضون اوقاتهم ؟ … كيف ينامون ؟ … كيف ياكلون ؟ … من يساعدهم في دروسهم ؟….؟ تساؤلات كثيرة تعرفها امهم وحدها ، هو ذاك الابن الذي يراقب كيف يحفر الزمن قساوته اخاديداً على وجه امه التي ماعادت تسطيع زيارته بشكل دائم كما كانت بعد ان اعياها المرض وحرق قلبها طول الغياب .
قد اكون تجرأت ونكأت جرحا طالما اخفاه الاسرى حفظاً لكرامة دفعوا اعمارهم وحريتهم دفاعا عنها ، لكنها الحقيقة المرة التي لا بد من تجرعها علها تدفع الى تضامن افضل على المستوى الشعبي مع الاسرى واهتمام بهم على المستوى الرسمي ويليق بهذه القضية الوطنية بامتياز ذات البعد الانساني الصرف .