الهيئة الاكاديمية والموظفين

أبو الحاج : ابداعات انتصرت على القيد ” يوصي بدراسة تجربة الحركة الأسيرة

عدد المشاهدات: 217
 
القدس – " ابداعات انتصرت على القيد " هي ملخص حكاية الصمود الاسطوري للاسرى الفلسطينين  والعرب في سجون ومعتقلات الاحتلال ، التي نجح المناضل الفلسطيني الاسير في تحويلها من زنازين استهداف مادي ومعنوي لوجوده وهويته وارادته الى قلاع عطاء وتضحية وابداع ورافد مهم للحركة الوطنية المناضلة من اجل الحرية والاستقلال . وهي التسمية التي اطلقها مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس بمبادرة مديره العام الدكتور فهد ابو الحاج على احدى اهم فعالياته المتشعبة لصالح الاسرى في مواجهة الاجراءات الاسرائيلية ضدهم ومن اجل تقريب يوم اطلاق سراحهم ، وبمشاركة الهيئة العليا لشؤون الاسرى والمحررين ، فعقدت الدورة الاولى لمؤتمر "ابداعات انتصرت على القيد " العام الماضي كما عقدت الدورة الثانية هذا العام قبل ايام في قاعات الهلال الاحمر الفلسطيني في البيرة برعاية الرئيس محمود عباس وبمشاركة  رسمية وشعبية  وبحضور عدد كبير من الاسرى المحررين  وابناء عائلاتهم، اضافة الى المشاركة العربية ممثلة بالجامعة العربية وعدد من السفراء العرب . 
وضمن هذا السياق قال الدكتور فهد ابو الحاج في تصريحات ل"القدس" انه على الرغم من الانجازات والانتصارات التي حققتها الحركة الاسيرة هذا العام عبر معارك الامعاء الخاوية مما حول عام 2012 الى عام الحركة الاسيرة بامتياز فإن الاحتلال الاسرائيلي ما زال يستهدف الاسرى ويسعى جاهدا لطمس انجازتهم وهو ما يستوجب مواصلة التحرك الحقيقي والجاد رسميا وشعبيا ، محليا واقليميا ودوليا لنصرة الاسرى والوقوف الى جانبهم والضغط على اسرائيل لاطلاق سراحهم .
وفي معرض تعقيبه على الزيارات التجريبية التي سمحت بها مصلحة السجون الاسرائيلية لعدد محدود من اهالي اسرى قطاع غزة الابنائهم بعد حرمانهم من مثل هذه الزيارات منذ العام 2007 قال د. ابو الحاج ان السلطات الاسرائيلية لم تقدم على هذا الامر الا بعد ان استجابت مطالب الاسرى اثر الاضراب الملحمي الذي خاضوه مؤخرا ومع ذلك فان هذه الزيارات حق طبيعي ويجب ان تشمل كافة الاسرى ،وان يتم الزام اسرائيل بوقف انتهاكاتها الفظة المتواصلة للقانون الدولي ضد الشعب الفلسطيني واسراه .
سنتناول الجزء الثاني من وقائع الدورة الثانية لمؤتمر ابداعات انتصرت على القيد وتوصيات المؤتمر :
 
جلسة المحور الثالث .
تجارب الإضراب عن الطعام
وخصص هذا المحور للإستماع الى شهادات شخصية،من قبل بعض الأسرى والأسيرات المحررين،وكان بعنوان (تجارب شخصية في الإضراب عن الطعام ) وأدار جلسة هذا المحور الأستاذ احمد نعيرات ،وتحدث فيها كل من الأسيرة المحررة عبير عمرو عن ( تجربة الأسيرات خلال الإضراب عن الطعام ) حيث قالت " بأن الأسيرة المضربة عن الطعام تعاني من والالالم الجوع وعذابه كما الأسير تماماً،وأن إجراءات إدارة السجن لا تقل قسوة ووحشية عن تلك المتخذة ضد الأسرى،وأود أن أذكر لكم قصة في منتهى الأهمية تتعلق بإضراب الأسيرات عن الطعام وهي  إنه وفي إحدى إضرباتنا عن الطعام في سجن الشارون،كان معنا أبن الأسيرة منال غانم،وكان طفلاً رضيعاً له من العمر ثلاث أعوام،وهو طبعاً لم يضرب عن الطعام،إلا إن إدارة السجن منعت عنه الحليب والطعام، كنوع من أنواع العقوبة له ولأمه ولنا جميعاً ".
تجربة اضراب نفحة 
وتحدث أيضاً الأسير المحرر عبد الرحيم النوباني ( أبو النوب ) عن تجربة إضراب سجن نفحة في العام 1980م، حيث قال " لقد كان سجن نفحة معتقلاً سياسياً وليس سجناً عادياً،وكانت التوجهات وطنية،والمعادلة التي سادت المعتقل كانت معادلة الكل النضالي في مرحلة التحرر،هكذا تم رفع شعار المحبة الوطنية بين كل المعتقلين.
لقد تم الإتفاق بين الأسرى على أن يكون يوم السبت 14/7/1980م ، موعدً لبدء الإضراب،إضراب نفحة المعروف، بعد مرحلة مكثفة من التعبئة العالية،وكنا مهيئين لأي طارئ،وهنا أعود واكرر بان إضراب نفحة كان علامة وشعلة مضيئة في الظلام العميق الذي يغذيه العدو أبداً بالمزيد من ممارسات القمع، والتفتيت النفسي المنظم، وحرمان المعتقل من أبسط حقوقه الإنسانية، فليس في ذلك شيء من مبالغة أو إدعاء، ذلك أننا كنا نبصر كيف تجدل لنا حبال الموت البطيء ،ونرى كيف تُدار هذه المعركة الصامتة ضدنا،هكذا جاء الإضراب رداً طبيعياً ليكشف كل هذه الخيوط الواضحة لنا ويهزها وضح الظهيرة أمام خيلاء العدو،وأمام عيون الأشهاد الغائبين،ويتابع أبو النوب حديثه للحضور قائلاً : في اليوم الأول لدخولنا سجن نفحة في نيسان 1980م،أبلغتنا إدارة السجن بمجموعة من الشروط والممنوعات القوانين الخاصة بهذا السجن ، وطلب منا التقيد بها أذكر منها :-
1- فترة النزهة هي 15 دقيقة فقط .
2- ممنوع التجمهر في ساحة النزهة .
3- إدارة السجن لا تعترف بممثل الأسرى.
4- زيارة الأهالي فقط 15 دقيقة  .
5- ممنوع لعب الرياضة في ساحة النزهة .
6- ممنوع العمل في مطبخ أو مردوان السجن .
 
دلت هذه الشروط وطريقة إستقبالنا من قبل إدارة السجن على نوايا وخطط إدارة السجن للتعامل معنا،وهذا بدوره حدد الطريقة التي يجب علينا إتباعها للعمل لتغيير هذا الوضع،وهي طريق المواجهة،ونحن بدورنا بدئنا بعرض مطالبنا واحتياجاتنا المعتادة داخل السجون على مدير السجن،وأولها ترشيح احد الأسرى للعمل في المردوان ( الممر الواصل بين الغرف ) واختيار مجموعة من الأسرى للعمل في مطبخ السجن ،وبدا الأسرى بترتيب أحوالهم الداخلية،وتم انتخاب قيادة جديدة للأسرى وكان على رأس هذه القيادة الأخ المناضل أبو علي شاهين،وبدأت هذه القيادة بشرح أحوال السجن للرأي العام المحلي والعربي والعالمي ، وبدأ الأسرى يهيئون  أنفسهم للبدء بالمواجهة ، فأرسلت  رسائل كثيرة لعناوين هامة عبر العالم  كالرئيس الروسي ليونيد برجنيف وأمين عام  جامعة الدول العربية الشاذلي القليبي ومجموعة دول عدم الانحياز و قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورسائل أخرى كثير للمؤسسات المحلية في الداخل الفلسطيني وفي مقدمة تلك المؤسسات رؤساء البلديات والجامعات ، أدرك الأسرى منذ اللحظة الأولى لتجميعهم في سجن نفحة بان إدارة السجون تقصد بهذا التصرف تحطيم النواة الصلبة للجبهة الاعتقالية ، وان تحقق لإدارة السجون هذا الأمر فمما لاشك فيه بان كارثة كبرى ستحل بالحركة الأسيرة وتعيدها إلى سيرتها الأولى من القمع والعذاب،لذا أدرك الجميع بان الانتصار في المواجهة القادمة هو خيار فردي وجماعي وإجباري ووحيد،لان دونه الموت والهلاك البطيء والمذل ، وقد استأنفت قيادة الأسرى إطلاق الرسائل إلى المؤسسات والمحافل الدولية والعربية والمحلية معلنة هذه المرة عن موعد الإضراب الشامل عن الطعام  وكان يوم 14/7/1980م  ، وقبل يومين من بدء الإضراب قامت إدارة السجن بنقل الأخ أبو علي شاهين ومعه جبر عمار و محمد القاق  وعبد الله العجرمي ليصبح العدد الإجمالي للأسرى المتواجدين في سجن نفحة والذين سيخوضون الإضراب 71 أسيراً،لكن هذه المجموعة القيادية دخلت مع أسرى سجن نفحة الإضراب عن الطعام في اليوم المحدد له 14/تموز /1980م ، من مكانها الجديد في سجن شطه ، أما الأسرى الذين خاضوا الإضراب في نفحة فهم :-
عدنان جابر ، محمد الصليبي ، سفيان أبو زايده ، جبريل الرجوب ،بسام السائح ،عمر القاسم ، محمد أبو وعر ، نظام عارف براهمه " باسل " ، محمد إبراهيم عياش ، وليد ألرمحي ، عبد الرحيم النوباني ، محمد خليل حسان ، سعيد شملخ ،عبد الكريم شملخ ،عثمان درويش ، نجاح العيسوي ، يعقوب عوده، يعقوب ديواني ، محمد الغزاوي ، محمد دوخان ، عبد الله ياغي ، رشيد أبو شباك ، رمضان أبو قمر ، جهاد عمرين ، راسم حلاوة ،علي الجعفري ،حسن قواسمي ،إبراهيم أبو شيخه محمد ترك شركس هلال ، عطيه سواركه ، خير الشلبي ، عدنان وشاح ، رأفت النجار ،عبد العزيز أبو القرايا ، سعيد العتبي ، محمد معروف عصايره ، رياض ملاعبي ، زكي ألملاعبي ، خليل أبو زياد ، يحيى أبو سمره ،فضل طهبوب ،أمجد العمري،محمد عليان ،احمد أبو خضره،مسعود الراعي ، احمد هزاع ،مسلم القايض ، حمدي الريفي ،ربحي أبو الحمص ، الشيخ عمر أبو شمله،هاني العيساوي ، يونس الرجوب، كامل نزال ، جمال ربايعه ،ناصر الحافي ، إسماعيل سلامه، علي القطاوي ، سليم الزريعي ، إسماعيل مهره ،عطا القيمري ،زهير ألملاعبي ، الشيخ فضي " حمدان شاهين " ،سليم نسيبه ، خالد ياسين ،احمد خال نزال ،جبر وشاح ،خالد القدسي ،نافز شلبك ، احمد نصر ، هشام عبد الرازق ،شكري سلمه،منذر ألنمري ، أبو علي سلمه / أبو جميل " اينشتاين " 
وفي مساء يوم 13/7/1980م، حدد الأسرى مطالبهم من خلال رسالة موجهة لإدارة السجن، سلمت في نوبة العدد المسائي لذاك اليوم، وكانت على النحو التالي:-
1- يطالب الأسرى بتركيب أسرة للنوم  .
2- يطالب الأسرى السماح لهم بإدخال راديو وتلفزيون .
3- يطالب الأسرى بتحسين نوعية وكمية الأكل.
4- يطالب الأسرى السماح لهم بإدخال الكتب والصحف العربية والعبرية 
5- يطالب الأسرى بتوسيع نوافذ الغرف بما يسمح لدخول الشمس والهواء إلى داخلها 
6- يطالب الأسرى بالتوقف عن سياسة العقاب الجماعي والفردي وعزل الأسرى في الزنازين، وحرمانهم من الأكل إثناء عزلهم، والاكتفاء بتقديم الخبز والماء لهم فقط لا غير. 
7- يطالب الأسرى بأن تكون زيارة الأهل مرة كل أسبوعين ولمدة ساعة كاملة.
8- يطال الأسرى السماح لهم بإدخال الملابس الشتوية والصيفية والأغطية.
9- يطالب الأسرى السماح لهم بشراء أطعمة وأغذية من كانتين السجن غير المسموح بها حتى تاريخه .
10- يطالب الأسرى بإطالة وقت ساعة النزهة لتصبح ساعة بدلا من ربع ساعة.
 
وتم إبلاغ ضابط العدد بان الأسرى في السجن قد أعلنوا الإضراب عن الطعام اعتبارا من صباح  غدا 14/7/1980م ، وقد قام بعض الأسرى وأنا منهم بحلق رؤوسهم على الشفرة وذلك لعدة أسباب منها أن الشعر خلال الإضراب يأخذ بالتساقط  ، وتحسبا لأية محاولة قمعية من جانب إدارة السجن التي تستخدم أسلوب شد الشعر أثناء التعذيب في زنازين العزل والتحقيق ، وقسم أخر من الأسرى انصرفوا لكتابة وصاياهم لأنهم كانوا على يقين بأنهم سيستشهدون في هذا الإضراب وكان من بين أؤلئك الأسرى الذين كتبوا مذكراتهم كل من الشهيد " راسم حلاوة " و " علي الجعفري " اللذان استشهدا في اليوم العاشر للإضراب ، وتعاهد كافة الأسرى على الصبر والصمود وعدم الرضوخ لمحاولات الإدارة  كسر أرادتهم  وإضرابهم .
قبل بدء هذا الإضراب تمكن الأسرى من الحصول على جهاز راديو صغير قام بتهريبه لهم احد السجناء اليهود المدنيين مقابل المال  وقد تم إخفاء الراديو في مكان سري وكلف احد الأسرى بالاستماع للراديو وتدوين ما يسمع لتتم كتابته وتعميمه على الأسرى بما في ذلك أخبار الإضراب الذي يخوضونه ، في اليوم الثاني لبدء الإضراب قام رؤساء البلديات الوطنيون بسام الشكعه وإبراهيم الطويل و فهد القواسمي ومحمد ملحم  وكريم خلف ووحيد الحمدالله بمحاولة لزيارة الأسرى في السجن ، ألا أن إدارة السجن أوقفتهم جميعا  على بعد مئات الأمتار من السجن ولم تسمح لهم بزيارتنا ، وبعد يوم واحد على هذه الواقعة سمعنا عن محاولة الاغتيال الجماعية المعروفة لرؤساء البلديات المذكورين ، والتي فقد فيها الأخ المناضل بسام الشكعه ساقيه بعد انفجار أحدى العبوات الناسفة التي زرعتها المخابرات الإسرائيلية في سيارته ، وعمت المظاهرات الجماهيرية الحاشدة كافة المدن الفلسطينية ، وقدم  المندوب السعودي في الأمم المتحدة  السيد ( احمد خليل عبد الجبار ) طلبا لامين عام هيئة  الأمم المتحدة  ( كورت فالدهايم ) لدراسة الأوضاع في سجن نفحة وإرسال لجنة أمميه  لتقصي الحقائق داخل السجن .
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن مدير السجن كان احد الضباط السابقين في سجن بئر السبع واسمه ( عميرام ) وهو يهودي يمني وفي سجن بئر السبع تعرض للضرب المبرح من الأسرى، إبان الفترة التي عرفت في سجن بئر السبع ( بتأديب شرطة وضباط إدارة السجن في العام 1976م ) ردا على تجاوزات واعتداءات إدارة السجن الوحشية بحق الأسرى حينذاك ، لهذا السبب كان هذا المدير عدوانيا وشرسا في تعامله مع أسرى سجن نفحة .
 ومن الجدير ذكره هنا أيضا بان وكالات الأنباء والإذاعات العربية والغربية قد بثت تصريحا للمتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية بسام أبو شريف قبل بدء الإضراب بثلاثة أيام مفاده " بان إدارة سجن نفحة قتلت 26 أسيرا من الأسرى المضربين عن الطعام "، وكان هذا الخبر منافيا للحقيقة تماما، وقد أثار لدى الأسرى مزيدا من القلق والخوف من استغلال إسرائيل لهذا التصريح وتنفذ اعتداء حقيقيا ضد الأسرى طالما أن الخبر قد انتشر .
في ظهيرة يوم 21/7/1980م وهو اليوم التاسع للإضراب  قامت إدارة السجن بإطلاق نداء جديد للأسرى عبر السماعات المثبتة داخل الغرف ، مفاده بان عليهم الاستعداد ، وبعد ساعة تقريبا حضر إلى غرف السجن احد ضباط إدارة السجن ومعه ضابط الاستخبارات  وقام بتسمية ست وعشرون أسيرا وطلب منهم الاستعداد مع أمتعتهم ، وهو نفس عدد الأسرى الذين أعلن بسام أبو شريف عن استشهادهم قبل بدء الإضراب ، وقد اخرج الأسرى إلى باحة السجن وكان بانتظارهم سيارة نقل الأسرى ووحدات القمع الخاصة بالسجون وجنود من الجيش الإسرائيلي ، وطلب من الأسرى نزع  ملابسهم تماما استعداد للتفتيش داخل غرفة فارغة ، وفي هذه الغرفة التقيت للمرة الأخيرة بالأخ راسم حلاوة ، وأثناء انتظارنا لشرطة السجن التي ستجري عملية التفتيش قال لي الأخ راسم "  يا أخ أبو النوب اقترب مني لنتحدث قليلا ، الله يعلم هل  سأراك بعد هذه المرة أم لا !!  " وبعد أن اكتمل عددنا في هذه الغرفة على 26 أسيراً، تم إخراجنا أثنين أثنين إلى ساحة السجن وتم تكبيلنا كل اثنين مع بعضهم البعض، لنبدأ مشوار جديد من اللكمات والركلات والشتائم الموجهة لنا من قبل الجنود والشرطة الذين رافقوا سيارة النقل، وتحت وطأة الضرب والسب طلب منا الصعود إلى حافلة النقل الخاصة بالسجون " البوسطة "، ولم يكن لدينا أية فكرة عن وجهة السيارة، وخلال هذه الرحلة واصل الجنود والشرطة المرافقين لنا  سبهم وشتمهم لنا وقال لنا احدهم "  بان إسرائيل استطاعت شراء أسلحة بثمن الأكل الذي امتنعنا عن تناوله " ، فرد عليه من بيننا الأسير على الجعفري ردا قويا ومناسبا .
 
في سجن الرملة 
بعد مرور أكثر من ثلاث ساعات على إنطلاق هذه السيارة من سجن نفحة توقفت بالتدريج أمام أبواب تفتح وتغلق وأصوات كثيرة تتعالى من حولنا، فوقف احد الأسرى وألقى نظرة من شباك السيارة المتواجد في أعلى جدارها فعرف إننا في سجن الرملة، وعندما بدئنا بالنزول من السيارة كان بانتظارنا في باحة السجن سربين متقابلين من الجنود والشرطة الذين بدأوا بضربنا بشكل شديد ومخيف، وكان من بينهم مدير السجون العامة حينذاك ( حاييم ليفي ) ،ولاحقا عرفنا بان مدير هذا السجن اسمه " روني  نيتسان  "  وكان احد المجرمين البارزين الذين عرفتهم الحركة الأسيرة ، وفي وقت لاحق لقي مصرعه على يد احد السجناء اليهود ، بسبب ظلمه وبطشه ، بعد الإنتهاء من إتمام الإجراءات الصحية الشكلية مثل التوزين وقياس الضغط  في عيادة السجن التي ستصبح لاحقا مسرحا مفتوحا للتنكيل والقتل ، تم توزيعنا على 26 غرفة في احد أقسام سجن الرملة ، أي بمعدل سجين واحد في كل غرفة ، وهي غرفة خالية من أي فراش تماما باستثناء قطعة رقيقية من الإسفنج تسمى " جومه " بحجم فرشة البرش ، وطلب منا الجلوس على تلك القطعة وعدم الوقوف وعدم الاقتراب من الباب نهائيا .
 
بعد مرور اقل من ساعة واحدة على دخولي لهذه الغرفة سمعت صوت صراخا عاليا مدويا قادما من بعيد ، ولم اعرف من هو صاحب ذاك  الصوت لكن أدركت بأنه يخص احد أفراد مجموعتنا القادمة من نفحة ، وتكرر  هذا الصوت مرارا ، ومع تعاليه تزداد حيرتي وقلقي على صاحبه وخوفي من القادم المجهول ، لكن هذه المرة سمعت صوت مجموعة من الجنود كأنهم يسحبون جثة أو جسدا محطما على الأرض ، وقد تعالت في هذه الأثناء أنات وأهات العديد من الأسرى الموزعين على الغرفة المجاورة والملاصقة لغرفتي ، فتأكدت من أن تعذيبا شديدا يمارس في هذا القسم بحق الأسرى المضربين عن الطعام  الذين تم إحضارهم من نفحه ، أخيرا فتح الشرطي باب غرفتي وطلب مني الخروج فخرجت وإذ بي أقف في عيادة السجن وأمام  مسئول العيادة واسمه " رافي روميه " وسجان أخر اسمه " نواف مصالحة " ومجموعة أخرى من رجال الشرطة مفتولي العضلات ، وطلب مني أن اجلس على كرسي فجلست وكان أمامي صحن من الأكل فطلب مني مسئول العيادة أن أكله مرتين فرفضت ، فقال لي أنت حر ، في هذه الغرفة لمحت ومنذ اللحظة الأولى لدخولي إليها طنجرة كبيرة جدا مثبتة فوق غاز للطبخ ، لاحقا عرفت بأنها مملؤة بالماء والملح المذاب ، بعد ذلك قام مسئول العيادة بإحضار جهاز يشبه جهاز تنضير المعدة ، وهو عبارة عن علبة في أسفلها بربيش طويل يمكنه وصول المعدة إذا إدخل من الأنف أو الفم،وهذا الجهاز أسمه " الزوندا "  لكن في هذه العيادة لن يتم إدخال الطعام إلى داخل معدة الأسير المضرب لان العيادة أصلا لم يكن فيها طعاما معدا من اجل هذه الغاية ، إنما المعد والمجهز لنا سلفا هو ملح وماء مغلي تماما ، وتم تثبيتي وربطي بالحبال على الكرسي الذي أجلسوني عليه وبدئوا بإدخال البربيش من فتحة انفي بقوة وفظاعة بالغتين ، وأخذت الدماء تنهمر من انفي إلى داخل فمي فامتلئ قميصي وصدري بالدماء ، وهنا  شعرت بان البربيش اللعين قد وصل إلى قاع معدتي الخاوية ، بعد ذلك سكبوا في العلبة من الطنجرة مباشرة الماء والملح المغليان ، في هذه اللحظات تذكرت أمرا هاما وهو أن زميلا  لي ومن الذين نقلوا معي من نفحة إلى الرملة واسمه " هاني العيساوي "  قال لي يا أبو النوب  " أنا سمعت ( لفينات )  وهو ضابط برتبة رائد في سجن نفحة يوصي جنود البوسطة  ضدك فكن حذرا " ، ومما زاد من يقيني بان إدارة سجن الرملة عاقدة النية على قتلي فعلا  ، ما قاله لي أيضا اثنا التعذيب السجان ( نواف مصالحة ) يا نوباني فك إضرابك  لان ( رافي ) يريد قتلك .
إستشهاد علي الجعفري وراسم حلاوة .
على أية حال ما حصل معي هو نفسه ما حصل مع كافة الأسرى الـ 26 ، لكن ما حدث مع راسم حلاوة وعلي الجعفري وإسحاق المراغة كان مختلفا قليلا  حيث استقر بربيش الزوندا في رئة ثلاثتهم بدلا من المعدة ، وقد سكب الماء والملح المغليان داخل الرئة مباشرة فتم  حرقها وتدميريها على الفور ، في ضحى اليوم التالي 22/7/1990م ، نادي منادي من خارج القسم الذي نوجد فيه ، واعتقد انه كان احد السجناء الجنائيين العرب من العاملين في مرافق إدارة السجن الخارجية ، وقال بصوت حزينا ومدويا   " يا سجناء نفحة صباح الخير ، أخبركم بان علي الجعفري قد استشهد "  وفي مساء ذات اليوم نادى ذات المنادي المجهول قائلا  "  يا سجناء نفحة مساء الخير ، أبلغكم بان راسم حلاوة قد استشهد " وهكذا طوي اليوم الأول لوجودنا في سجن الرملة بسقوط شهيدين ، وإصابة بالغة في رئة الرفيق إسحاق المراغة الذي تعرض لما تعرض له الشهيدان علي و راسم  من تعذيب وتنكيل في عيادة السجن ، لكن جسده تحمل تلك الإصابة ،واستشهد  في وقت لاحق من  العام 1983م  متأثرا بتلك الإصابة القاتلة .
بعد إصابة الأسرى الثلاثة علي وراسم وإسحاق قامت إدارة السجن بجمعهم في غرفة مجاورة لعيادة السجن تسمى غرفة الانتظار ، وفي وصف حالته وحالة  الشهيدين  قال لي الرفيق إسحاق  بعد أن جمعتنا مجددا إدارة سجن الرملة في ذات القسم بعد سقوط الشهيدين  ما يلي : " بعد أن ادخل ثلاثتنا  إلى غرفة الانتظار استلقينا من فرط تعبنا وإرهاقنا على معقد خشبي كان في تلك الغرفة ،وكان الألم يمزق صدورنا وأحشاؤنا تمزيقا شديدا ، لكن التعب كان باديا أكثر على ( علي الجعفري ) الذي تمسك بقضبان الباب الحديدي وهو يصرخ بصوته المرهق على سجان القسم تارة وطبيب العيادة تارة أخرى ، لاستعجالهم في تقديم الإسعاف والعلاج له ولنا ، وفجأة ، قال لي  " يا أبو جمال إنني أموت ، إنني أموت " ، وحاولت أن اهدأ من روعه ورفع معنوياته وشد أزره ، لأنني لاحظت عليه أمرا مختلفا لم اشعر أنا به ، رغم أن إصابتنا واحدة .
من جديد يصرخ علي الجعفري ويقول " لقد وصل الموت إلى قدمي يا أبو جمال ، فلم اعد اشعر بهما فهما باردتان كالثلج  يا أبو جمال " ، وأنا ليس بيدي شيء افعله سوى إنني قلت له لا تخف يا على ها هو الطبيب قادم لا تقلق ، وفجاه قال علي مرة  ثالثة وأخيرة ، " لقد وصل الموت إلى يدي يا أبو جمال " ، وأنا المرهق مثله يقول أبو جمال أغرورقت عيناي بالدموع وأنا أرى الأنفاس الأخيرة تخرج من رئته ألمدمره إلى انفه الذي مزقته برابيش الزوندا وفتحت في داخله أقنية للدم والألم ،في الأثناء مال رأس على الجعفري على كتفه الأيمن ويداه الباردان ما زالتا تمسكان بقضبان الباب الحديدي اللعين ،حيث سالت نفسه الكريمة  وفاضت روحه الطاهرة إلى باريها  وهو واقفا كشجرة نخيل عاشت مئة عام واقفة بعد جفافها ، أرحنا جسد الشهيد على الأرض واستبد بناء البكاء والعويل ،وللحظة نسينا أنا وراسم  أننا شركاء الشهيد بذات المصير .
وعلى الفور دخل الجلادون إلى الغرفة ونقلوا الشهيد ونحن معه إلى العيادة، لم تمضي سوى ساعات قليلة حتى ارتقت نفس راسم حلاوة إلى باريها، واستشهد هو وعلى الجعفري في ذات اليوم 22/7/1980م  ، سقط علي الجعفري بطل نفحة وبطل عملية جبل القرنطل الأسطورية ، وترك خلفه تاريخا مشرفا من العطاء والتضحية ، ورافقه في رحلة الخلود رفيقه وصديقه الشهيد راسم حلاوة ، وعن علي الجعفري أيضا  قال لي أخي وصديقي أبو علي شاهين ذات يوم أمرا في منتهى الأهمية " ما زلت أذكر علي الجعفري الذي كان يرجو في اضرابات سابقة على أن لا يستعمل معه الأنبوب لسبب ما، فقد كان له رأيا بان شرب الحليب إذا كان مسموحا فلنشربه مباشرة بدون الأنبوب، وكأنه كان على يقين بأنه سيكون ضحية ذاك الأنبوب اللعين، لقد استعملوه معه الأنبوب هذه المرة كرهاً، وضعوه في رئته وصبوا الماء والملح مما أدى إلى استشهاده في نفس اليوم، أما راسم حلاوة، صاحب البنية القوية، الذي كان يحمل الواحد منا مثلما يحمل عصفوراً في يديه، استشهد هو الآخر في نفس اليوم بسبب الأنبوب، وأيضا المناضل الكبير اسحق المراغة، الذي أحدث له الأنبوب نزيفاً داخليا حادا، استشهد على أثره فيما بعد.
انتشر خبر الشهداء في كافة أنحاء فلسطين وخرجت التظاهرات الجماهيرية الغاضبة إلى الشوارع، وتناقلته باهتمام بالغ منظمات وهيئات حقوق الإنسان عبر العالم وداخل إسرائيل نفسها، وأصبح موقف إدارة السجن في منتهى الحرج، وحضر إلى السجن مجموعة من المحامين عرف من بينهم المحامية المعروفة ليئا تسيمل التي قابلت الأسير المصاب ( إسحاق مراغة )، وقدمت هذه المحامية الإسرائيلية التقدمية وصفا مثيرا لحالة الأسرى في سجن ألرمله أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، وفضحت أمر حكومة " مناحيم بيغن " و  وزير داخليتة " يوسف بورغ " و مدير السجون العامة " حاييم ليفي " لتورطهم المباشر في تنفيذ عملية القتل في سجن الرملة، فارتفعت وتيرة الضغط في العالم تضامناً مع مضربي نفحة .
 
دعم من القيادة 
إن أهم ما كان في قضية نفحة، هو أن قيادة الثورة الفلسطينية تبنت هذا الإضراب تبنياً كاملاً، بالرغم من أنه لم يكن لهذا الإضراب أي هدف سياسي أبداً ، فقد كان الهدف الوحيد هو تحسين مستوى الحياة للمعتقل الذي لم يحظ بأدنى حق من حقوق الإنسان ، ونجح إضراب نفحة ، وأعطى نتائج ملموسة وغير كثيراً ، والاهم من ذلك أنه أسقط مدرسة القمع والإرهاب وأفرغها وكسر الشوكة ، وأثبت أن شعار نفحة المرفوع " نعم للجوع ، لا للركوع" هو شعار النضال ألاعتقالي ، كما أثبتت معركة الأمعاء هذه إرادة المعتقل الفلسطيني وصموده في وقفة منيعة واحدة ، لم يتخللها ضعف ، أو خلاف داخلي.
 في صباح اليوم التالي لسقوط الشهداء  23/7/1980م ، فوجئ الأسرى المضربين بإدخال عربة مطبخ محملة بطنجرة حليب معدة للأسرى المضربين ، وقبل ذلك كانت إدارة السجن قد أنهت عزل وتوزيع المضربين عن الطعام على الغرف وقامت بإعادة توزيعهم على الغرف بمعدل كل ستة أسرى في غرفة واحدة ،وكان لدينا موقف سابق  من تناول الحليب خلال الإضراب ، والقاضي بان تناول كاس الحليب لا يفسد ولا ينهي الإضراب عن الطعام ، وقد سبق للمحكمة الإسرائيلي العليا أن أيدت هذا الرأي بناء على التماس قدمه الأخ أبو علي شاهين في العام 1979م ، وقد قامت إدارة السجن بهذه الخطوة في محاولة منها لامتصاص نقمة الأسرى وغضب الشارع الفلسطيني  .
من المالإضراب.هنا بان إضراب سجن نفحة قد بدا مع حلول شهر رمضان المبارك من ذاك العام ، ومع سماح إدارة السجن لنا بتناول الحليب خلال الإضراب أصر بعض الأسرى على صيامهم أثناء الإضراب عن الطعام  أي أنهم كانوا يتناولون كاس الحليب بعد أذان المغرب ، بعد ذلك  بأربعة عشر يوما عدنا إلى سجن نفحة ، حيث ما زال الإضراب هناك مستمرا ، بعد مرور 27 يوما على بدئه ، وواصلنا الإضراب مع بعضنا البعض وقد انتهى شهر رمضان وأمضينا العيد مضربين .
الانجاز و تعليق الإضراب .
في ثالث أيام عيد الفطر السعيد ، وهو اليوم الثالث والثلاثين لبدء الإضراب وكان الموافق  16/آب /1980م ، قامت إدارة السجن باستدعاء لجنة الحوار الاعتقالية وكان على رأس تلك اللجنة الأخ المناضل خليل أبو زياد ، وفي مكاتب الإدارة كان بانتظارهم لجنة مكونة من ممثلين عن لجنة المحامين العرب وممثلين عن الصليب الأحمر وممثلين عن مديرية السجون العامة ، وبدأ نقاشا مستفيضا بين ممثلو الأسرى واللجنة المذكورة استمر حتى نهاية عصر ذاك اليوم ، ومن الجدير ذكره هنا بان قادة الأسرى في نفحة رفضوا سابقا مقابلة لجنة منفردة من مديرية السجون العامة لوحدها لبحث مطالب الأسرى  ،وقد كانت استجابة اللجنة الحالية لأكثر من 95 % من مطالب الأسرى كفيلا بان تدفع لجنة الحوار الاعتقالية للموافقة على تعليق الإضراب ، وقد عادت اللجنة الاعتقالية إلى السجن ، ووقف الأخ خليل أبو زياد بين الغرف وقال مخاطبا الأسرى بما يلي  :-
" أيها الإخوة أيها الرفاق، مبروك نصركم  لقد استجابت مديرية السجون العامة لمطالبنا ، وبناء عليه قررت اللجنة النضالية العامة تعليق الإضراب لمنح إدارة السجون فرصة لتنفيذ  ما وعدت به "  ومن ابرز تلك المطالب اذكر الأتي    :-
1- الموافقة على تركيب أسرة نوم في السجن.
2- الموافقة على إدخال أجهزة تلفزيون.
3- الموافقة على إدخال أجهزة راديو .
4- الموافقة على توسيع الفتحللزيارة،ب الغرفة الحديدية لتصل إلى نصفه تقريبا .
5- الموافقة على إدخال المزيد من الكتب والصحف العربية والعبرية 
6- الموافقة على زيادة وقت النزهة ليصبح ساعة في كل مرة أي بمعدل ساعتين يوميا 
7- الموافقة على تخصيص غرفة للزيارة ، وزيادة وقت زيارة الأهل ليصبح 45 دقيقة كل أسبوعين.
8- الموافقة على علاج المرضى من الأسرى بما تتطلبه حالة كل منهم .
9- الموافقة على عمل الأسرى في مطبخ الأسرى، والمردوان .
10- الموافقة على إدخال الملابس الداخلية والأغطية من خلال زيارات الأهل.
11- الموافقة على التنقل بين الغرف وزيارة الأسرى لبعضهم البعض .
 
التوصيات.إعلان أمر مدير السجن مساعديه بإعادة السكر والشاي والقهوة والدخان إلى أقسام السجن ، وفي مطبخ السجن تم إعداد وجبة من الحليب والزبدة ، تم تناولها مساء من قبل كافة الأسرى ، في صباح اليوم التالي أحضرت لنا إدارة السجن وجبة مكونة من  حليب مخلوط بالزبدة وخبز محمص وفول ، فقام الأسرى بإعادة الفول لأنه لا يلائم حالة الخارجين من الإضراب عن الطعام ، كما أن الأخ خليل أبو زياد طلب من إدارة السجن السماح للأسرى جميعا بالخروج إلى ساحة السجن لتناول وجبة الغداء بشكل جماعي والسلام على بعضهم البعض، فسمحت الإدارة بذلك،ومع اقتراب موعد تناول وجبة الغداء وخروج الأسرى إلى ساحة السجن فوجئوا بوجود أعداد كبيرة من الزوار الإسرائيليين  من المدنيين والعسكريين والصحفيين،قسم منهم اعتلى سطح السجن وقسم أخر يتجول بين الغرف والأقسام ، وقد جاء هؤلاء إلى سجن نفحة لرؤية الأسرى الذين تمكنوا من الصمود بلا طعام 33 يوماً،ولعل بعضهم أو كلهم توقع أن يقوم الأسرى بالهجوم على أواني الطعام لحظة دخولها إلى ساحة السجن كالغيلان الضارية من شدة جوعهم وعطشهم ، لكن ما قام به الأسرى أثار عجب وأستغراب وتقدير أؤلئك الزوار حيث جلس كافة الأسرى على شكل حلقة مفترشين الأرض ، باستثناء ثلاثة منهم ، كلفوا  بسكب الغذاء في الصحون وتوزيعها بالترتيب على الأسرى الجالسين بانتظام ، واذكر أن تلك الوجبة كانت مكونة من بطاطا مسلوقة ومهروسة تماما وخبز محمص  وشوربة ، ولم يتناول أي أسير لقمة واحدة إلا بعد أن أعطى الأخ خليل أبو زياد  الأمر بذلك ، فخرج كل من كان في سجن نفحة في ذاك اليوم من الزوار بانطباع في منتهى الأهمية عن الأسرى الفلسطينيين سيعيش معه حتى الموت ، وقسم منهم وثق ما رأى في كتب ودراسات قاموا بإعدادها لاحقا ، ونحن سمعنا على الفور بأذاننا تعليقاتهم على ما رأوه كمثل "  أي جنود هؤلاء الذين يتصرفون بهذه الانضباطية العالية " و " أن هؤلاء الأسرى سيشكلون أعمدة الدولة الفلسطينية " وهكذا انتهى إضراب سجن نفحة الأسطوري والذي شاركهم فيه كافة الأسرى الفلسطينيين ، وخاصة سجن عسقلان الذي استشهد فيه الأسير " أنيس دولة " بعد إنتهاء الإضراب بأيام قليلة وبالتحديد في يوم 26/8/1980م، متأثرا بما الم به من تعب ومعاناة جراء خوضه للإضراب التضامني مع أسرى سجن نفحة ، وقد تلي هذا الإضراب بإضراب جزئي أخر استمر لمدة سبعة عشر يوما بسبب تلكؤ إدارة السجن في تنفيذ المطالب المذكورة وأخيرا تم إنجازها كلها باستثناء جهاز الراديو الذي تحقق خلال إضراب سجن جنيد 1984م،أما جثامين الشهداء على الجعفري وراسم حلاوة وأنيس دولة وإسحاق المراغة فانه تم دفنها في مقابر الأرقام وسلمت لذويهم في العام 2011م أي بعد مرور 31 عام على استشهادهم . 
 
توصيات المؤتمر 
 
في نهاية جلسات المؤتمر أجملت اللجنة التحضيرية توصياته وخلاصة الأوراق البحثية المقدمة بالأتي .
1- يوصي المؤتمر جهات الإختصاص الفلسطينية،وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم،بالعمل على إعداد منهج دراسي قابل للإضافة إلى مناهج الوزارة،والحصول على القرارات اللازمة بإضافتها كإحدى الدروس المعتمدة في صفوف مراحل التعليم الإعدادي والثانوي.
2- إستكمال عملية إعتماد المساق الدراسي الخاص بتاريخ الحركة الوطنية الأسيرة،والذي بدأت بتدريسه جامعة القدس،وتلتها الكلية العصرية الجامعية المتوسطة ليشمل باقي جامعات الوطن.
3- عمل ما يلزم من أجل ترجمة المساق الدراسي الجامعي الى لغات أخرى،وطرحه على الدول الصديقة من خلال الجهات الفلسطينية ذات العلاقة،لحث تلك الدول على إعتماده في جامعاتها .
4- توسيع نطاق النشر للأعمال الإبداعية الخاصة بالحركة الوطنية الأسيرة،وأن المؤتمر يتطلع إلى أن توسع وزارة الثقافة من نطاق مشاركتها في إثراء حركة النشر،وأن ينضم إتحاد الكتاب الفلسطينيين وقطاع النشر والتوزيع الخاص المحلي والعربي إلى هذه الجهود أيضاً.
5- يثمن المؤتمر الدور الهام الذي تقوم به جامعة القدس في جمع وتوثيق وحفظ وإدارة الموروث الثقافي والحضاري للأسرى الفلسطينيين،من خلال مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة.
6- توثيق تجارب الاضراب عن الطعام ، بما فيها التجارب الشخصية ، واظهار جوانبها وابعادها الكفاحية والانسانية .
7- تكرار عقد المؤتمرات العلمية ،التي تتناول تجارب الحركة الاسيرة ،والحرص على توثيق كل ما يصدر عنها ،وترجمة ملخصات عن هذه المؤتمرات ،حتى يدرك العالم طبيعة هذه التجارب .
8- تشجيع الدارسين ،لا سيما باحثي الدراسات العليا ،باختيار عناوين من التجربة النضالية للاسرى ، واخراجها كرسائل ماجستير واطروحات للدكتوراة ، لكي تأخذ التجربة بعدا اكاديميا .
 
 

شارك المقال عبر:

د. محمد زياد ود. رائد الزغل يشاركان في المؤتمر الدولي للتعلم الالكتروني في القاهرة
نشر مقال علمي للدكتور ياسين تيم من كلية الطب

آخر الأخبار

ربما يعجبك أيضا

Al-Quds University