القدس – صدر عن دار الجندي في فلسطين كتاب جديد متخصص في دراسة الجملة تحت عنوان الجملة وبناؤها وأقسامها عند النحويين والبلاغيين، للدكتور أحمد داود دعمس أستاذ النحو والصرف بدائرة اللغة العربيّة في جامعة القدس.
وتعدّ الجملة وحدة تواصل لُغوي على أصعدة عدّة: فكريّة، وإفهامّية، واجتماعيّة، وعلميّة، وحضاريّة. إذْ لا يَعْمُرُ الكون، ولا المجتمع من دونها، ولنظام الجملة مؤسِسِات وروافد، تتمثل في عناصرها المُؤلّفة لها،التي هي نواة اللغة.
وبما أنّ الجُملة أساس النظام اللغويّ، فقد حاول هذا الكتاب الكشف عن مفهومها، وأنواعها، وأقسامها، عند النحويين، وعند البلاغيين، وحاول إيجاد قاسم مشترك في نظرة كلٍّ منهما للنظام الجُمليّ، نظرًا لأهميّة الجملة عندهم، لكونها تمثل عنصر فهم وإفهام.
وجاء منهج الكتاب تكامليًا أرساه على الجودي، بعدما عصفت به أمواج الفكر، فاستوى على هذه الشاكلة.
فقد اعتنى بالجُملة كثير من الباحثين والدّارسين، غير أنّها تبقى ميدانا رحبًا للدّراسات النحويّة، ولا سيّما أنّها مضمار التركيب اللغويّ، وجاء هذا الكتاب ليشكّل إسهاما في دراسة الجُملة ، وبنائها، وأقسامها عند النحويين والبلاغيين.
لقد تناول هذا الكتاب الجانب النظريّ في دراسة الجُملة، حيث جُمعت فيه كثيرًا من أقوال العلماء:قدامى ومحدثين، وقابلتها مع بعضها بعضًا وناقشتها، مبديًا الرأي فيها،ترجيحًا وتقوية.
إنّ الدراسات التطبيقيّة في دراسة الجُملة لا تقوم إلا على الجانب النظريّ، لذا فإنّ هذا الكتاب يعين الباحثين والدّارسين للجُملة العربيّة، ولا أدّعي أنّ هذا الكتاب ارتقى لمرحلة الكمال – كلّا وحاشا – فقد يستدرك اللاحق كثيرًا على السابق، فهو ليس إلّا مفتاحًا وعونًا لدارسي لتراكيب اللغويّة.
لقد انبنى هذا الكتاب من مِهاد، وثلاثة فصول ، وخاتمة، وثبت بالمصادر والمراجع، أمّا المِهاد، فقد تناول فيه معنى البِناء لغةً واصطلاحًا، ومعنى الجُملة في اللغة والاصطلاح، حيث عرضت الجذر على المعاجم اللغوية التي أفادت الجمع والضم، أمّا المعنى الاصطلاحي، فتدارسته عند كثيرين قدامى ومحدثين، مبينًا الترابط بينهما، وأنّهما يدلان على الجمع والقوة لصالح الإفادة.
ودار الفصل الأوّل حول الجُملة عند النحاة، مبينًا أنّ الجملة موضوع الدرس النحويّ، فليس النحو إلا ما كان من الجملة – كما قال الرمّاني- وأوّل من استخدم المصطلح، ثم عرض إلى الجُملة والكلام عندهم، حيث إنّ المتتبع للمصطلحين عند النحويين يجدهم فريقين: أولهما، يرى أنّ المصطلحين مترادفان، وثانيهما، يرى عكس ذلك، علاوة على تفريقهم بينهما وبين القول.
أمّا الفصل الثاني، فجاء عنوانه الجُملة عند البلاغيين، وتحدث عن اهتمامهم بها، لأنّهم يرونها لا تنفكّ عن الفائدة والتركيب، والجُملة عندهم مرادفة للكلام إذْ لم يفرقوا بين المصطلحين، إلا أنّهم التقوا مع النحويين في أنّ الإفادة شرط لا مندوحة عنه في الكلام. ثمّ عرّج للحديث عن أقسام الكلام: الخبريّ والإنشائيّ، ومدى اهتمامهم بالمسند والمسند إليه ومقيداتهما ضمن نظرية النظم.
وجاء الفصل الثالث يحمل عنوان أقسام الجُملة، إذْ إنّها تنقسم أقساما عدّة؛ لأنّ التعابير اللغويّة تسير وفق أكثر من نمط، فتحدّث عن أقسامها باعتبار الصدّر أو الصيغة اللفظيّة، فهي أمّا اسمية أو فعليّة،مهناك من الجُمل ما يتراوح بينهما باعتبار الوظيفة النحويّة للكلمة، أو تقدير المحذوف. وعن أقسامها باعتبار الوصف، فهي على نوعين: كبرى وصغرى، فالكبرى: الاسميّة التي خبرها جملة، أي أنّ فيها مسندين إليه، والصغرى: هي التي تحوي مسندًا إليه واحدًا، وتطرقت للتسميات الحديثة لهكذا جُمل. وعن أقسامها باعتبار الإعراب: وهي الجمل التي لها محل من الإعراب ، والجمل التي لا محل اها من الإعراب. وعن أقسامها باعتبار الأسلوب، إذ إنّها على نوعي الكلام عند البلاغيين، الجملة الخبريّة، والجملة الإنشائيّة، وعن اقسام الجملة باعتبار البِنية وهما نوعان: بِنية عميقة، أو باطنيّة، أو تحتيّة، وبِنية سطحيّة تجسد التحقق الصوتي أو الكتابي للبِنية العميقة، وهي القائمة على نظرية التوليد والتحويل.
أمّا خاتمة الكتاب، فقد عرضت أهمّ النتائج التي توصّل لها، وأخيرًا فقد اعتمد هذا مجموعة كبيرة من المصادر والمراجع القديمة والحديثة ليستنير الدّرس بآراء السابقين بما يحقق أهداف اللاحقين.