القيادي عبد الرحيم ملوح يروي تفاصيل تجربته النضالية والإعتقالية في داخل الوطن وخارجه
الحلقة الأولى
اجرى مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة لقاء مع عبد الرحيم ملوح " ابو شريف " عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحدث فيها عن تجربته النضالية والاعتقالية داخل الوطن وخارجه على مدار اكثر من خمسين عاما.
ولد عبد الرحيم محمود ملوح،في قرية أبو كشك قضاء يافا، في يوم 23/8/1945م،ومع حلول نكبة العام 1948م، كان له من العمر ثلاث سنوات،ولجأ مع عائلته الى منطقة وادي قانا في محافظة سلفيت،وقسم آخر من عائلة ملوح أستقر به المقام في مدينتي طولكرم وقلقيلية، ومدينة الرصيفة في شرق الأردن،درس ملوح مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة قرية جينصافوط ،وتابع دراسته في مدرسة دامية في شرق الأردن ،ومدرسة الجفتلك التابعة لوكالة الغوث،ومدرسة ذكور نابلس التابعة لوكالة الغوث أيضا،ومدرسة الجاحظ في نابلس الواقعة في شارع فيصل.
وهو متزوج من السيدة آمال عبد السلام،وله ثلاث أولاد وبنت،وحاصل على بكالوريوس في التاريخ من جامعة ( بيروت العربية )، ألتحق ملوح بالعمل الوطني والقومي مع نهاية ستينيات القرن العشرين، كناشطاً وطنياً ، وبدأ عمله في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن الماضي،وكان أحد القادة المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11 /كانون أول/1967م،وشغل عضوية اللجنة المركزية للجبهة الشعبية،ومسؤولاً عن ساحة الأرض المحتلة،ومسؤولاً عسكرياً عن ساحة لبنان خلال حصار بيروت 1982م،ومسؤولاً عن القيادة التنظيمية للجبهة حتى نهاية تسعينات القرن العشرين،وأصبح لاحقاً عضواً في المكتب السياسي للجبهة لسنوات طويلة،الى أن أصبح نائباً منتخباً للامين العام للجبهة الشعبية في المؤتمر العام السادس للجبهة،وعضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
البداية
بدأ عمله في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية في النصف الأول من العام 1965م، وفي شهر آب من نفس العام غادر الكويت الى العراق،وكان له من العمر حينها ثمانية عشر عاماً، وفي الكويت يتابع ملوح حديثه قائلا " أتذكر عملي الأول في تلك البلاد،حيث عملت ميكانيكياً للسيارات،وعملت لدى شركة الغانم للسيارات وشركة الساير وكانوا وكلاء لشركة سيارات تويتا العالمية.
وعندما وصلت الى العراق إلتحقت من فوري بجيش التحرير الفلسطيني،التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كان يرأسها في ذلك الوقت المرحوم أحمد الشقيري،أما قائد جيش التحرير حينها فكان المقدم وجيه المدني، والذي سبق له أن كان قائداً للواء الخامس عشر الكويتي، قبل إلتحاقه بمنظمة التحرير الفلسطينية،وأريد أن أشير هنا الى أمراً هاماً،وهو أن سبب سفري من الأردن الى الكويت ومنه الى العراق باحثاً عن جيش التحرير،هو أن الإلتحاق بجيش التحرير كان محظوراً في الأردن ولبنان،وفي العراق بدأت متطوعاً في قوات جيش التحرير، وحصلت على تدريب عسكري مناسب في معسكر المنصور في منطقة بعقوبة، ومكثت في ذاك المعسكر فترة من الزمن، بعدها أنتقلت الى معسكر الرشيد بالقرب من بغداد، وفي هذا المعسكر تلقيت تدريبات خاصة بأفراد الصاعقة، ومنه أنتقلت الى الرمادي وطلب منا مساعدة قوات الجيش العراقي في وضع أكياس رملية على ضفتي نهر الفرات الذي كان في حالة فيضان.
في شهر حزيران 1967م، اندلع القتال مع الإسرائيليين، وطلب منا التوجه الى ساحة الحرب ووصلنا الى أريحا فوجدنا الإسرائيليين قد أتموا إحتلال كامل منطقة أريحا والأغوار،فعدت الى الأردن قاصداً معسكر جيش التحرير الفلسطيني في منطقة خو الى الشرق من مدينة الزرقاء،ومن قلب ذاك المعسكر بدأت محاولاتي الأولى مع باقي الزملاء لتشكيل أول خلايا العمل السري في سبتمبر 1967م.
في هذه الأثناء بدأت أولى إرهاصات تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،من عدة فروع وتشكيلات حزبية وعسكرية كانت فاعلة زمنذاك على الساحتين العربية والفلسطينية،كتنظيم أبطال العودة، وحركة القوميين العرب، و جبهة التحرير الفلسطينية،والتي كونها ضابطاً من الجيش السوري أسمه أحمد جبريل، والضباط الأحرار الأردنيين بقيادة أحمد زعرور.
لقد تسببت الظروف القوية والصاخبة التي نتجت عن حرب العام 1967م الى نمو هذا التطور،والذي أتسم بتحول حركة القوميين العرب الى تنظيمات وطنية قطرية،وهكذا أرتبط تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أرتباطاً وثيقاً بهزيمة حزيران،بالإضافة الى التطور الفكري الذي أحدثته الدروس النظرية والسياسية والتنظيمية المستقاة من مرارة الهزيمة من جهة، وحركة القوميين العرب وتنظيمها الفلسطيني وتجربته النضالية العميقة من جهة أخرى.
بعد حرب حزيران 1967 سعى الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب لإيجاد إطار جبهة تضم مختلف الفصائل الوطنية الفلسطينية، لأن وجود ذاك الإطار يشكل عاملاً أساسياً من عوامل الإنتصار،لأن م. ت. ف. بطابعها الرسمي آنذاك لم تكن تصلح لتشكيل هذا الأساس،في هذه الأثناء أتصل بي الرفيقان ( حمدي مطر ) و ( أحمد محمود عيسى ) وتركت جيش التحرير، وفي شهر تموز 1967م، أنتقلت الى قواعد الجبهة في منطقة الكريمة ،وكانت الحوارات في أوجها بين التنظيمات المذكورة من أجل البحث عن أفضل الطرق للنهوض بالمقاومة الفلسطينية بعد الهزيمة، وكنا نعمل في قواعد سرية، متخفين على هيئة عمال وموظفين، وقد طرح حينها موضوعاً هاماً للنقاش،وهو الدعوة الى توحيد كافة الفصائل الفلسطينية العاملة على الساحة حينها، بما فيها فتح وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية،لكن هذه الحوارات أفضت الى النتيجة التي أدت الى ولادة الجبهة الشعبية بإئتلاف وتوحد الفصائل الثلاث ( أبطال العودة وجبهة تحرير فلسطين وحركة القوميين العرب الفرع الفلسطيني وعناصر مستقلة ومجموعة من الضباط الوحدويين الناصريين) .
وصدر البيان السياسي الأول للجبهة في 11/12/1967،لكن مسيرة هذا التشكيل تعثرت نتيجة خلافات سياسية في وجهات النظر، فأنسحبت جبهة تحرير فلسطين في تشرين الأول عام 1968،وعلى ضوء التطورات التي شهدتها م. ت. ف تخلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن سعيها لإيجاد جبهة وطنية لأن م. ت. ف جسدت في نظرها إطار هذه الجبهة بخطوطه العريضة،هذا التطور جعل الجبهة الشعبية موضوعياً، تنظيماً سياسياً محدداً، خصوصاً بعد أنصهار تنظم أبطال العودة أنصهاراً كاملاً في صفوف الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب،ومنذ ذلك الوقت بدأ العمل لتحويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى حزب ماركسي- لينيني، لكن عملية التحول هذه واجهت مشكلات وخلافات داخلية،فرأى عدد من أعضاء الجبهة إستحالة تحويل تنظيم برجوازي صغير إلى حزب ماركسي لينيني، وقد أدت تلك الخلافات إلى إنشقاق ما سيعرف لاحقاً بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن الجبهة الشعبية،وعقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني في شباط 1969، وشكل ذاك المؤتمر تحولاً أساسياً بارزاً، إذ صدر عنه وثيقة ( الإستراتيجية السياسية والتنظيمية) التي شكلت محطة هامة في مسيرة الجبهة وتطلعها نحو التحول،وأقامت الجبهة مدرسة لبناء الكادر الحزبي رأسها هاشم علي محسن [ أبو عدنان>، وأصدرت مجلة الهدف التي رئس تحريرها الشهيد غسان كنفاني.
وتم التوافق على قيادة الرفيق جورج حبش للجبهة الشعبية، وقد تفرغ كامل أعضاء الفرع الأردني والفلسطيني من حركة القوميين العرب للعمل من أجل القضية الفلسطينية حصرياً،وأذكر من بين القيادات الأردنية التي تفرغت للعمل على الملف الفلسطيني الرفيق بريك وسهيل الحديد وحمد الفرحان ونايف حواتمه،وقد بدأ العمل العسكري الجاد من أجل فلسطين وأشتعلت معه أوار المنافسة الشريفة بين الفصائل والفدائيين الفلسطينيين، وتحولت الأراضي الأردنية الى قواعد مشتعلة بالنشاط والعمل الموحد والجاد من أجل فلسطين،وأذكر هنا زيارات الأخ القائد ياسر عرفات لقواعد الجبهة ولقاءاتنا التشاورية والحوارية مع قادة فتح وباقي الفصائل،وقد تسببت تلك الظروف وخاصة بعد الإنتصار العظيم في معركة الكرامة، بإلتحاق العديد من ضباط وجنود الجيش الفلسطيني والأردني الشقيق بالعمل الفدائي، وأذكر من بين أؤلئك الضباط الأخ الشهيد سعد صايل وصائب العاجز وعبد الله العمري وأمية النمرواي.
إستقالة الشقيري، وإعتقال جورج حبش
في بداية العام 1968م،استقال السيد أحمد الشقيري من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية،وحل مكانه السيد يحيى حمودة لفترة إنتقالية،وفي شهر شباط 1969م عقد المجلس الوطني ،تولى الأخ ياسر عرفات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
في آذار 1968م تم اعتقال الرفيق جورج حبش من قبل سلطات النظام السوري،ومكث في الأسر السوري 232 يوماً،مع أثنين من رفاقه وهما فايز قدورة وعلي بشناق،وفي يوم 20/نيسان/1968م، طالبت به م.ت.ف والمجلس الوطني وبعض الدول العربية بإطلاق سراح جورج حبش.
أما الرفيق جورج حبش، فلم يخرج من السجن إلا تهريباً على يد الرفيق الدكتور وديع حداد،الذي قام بإختطافه أثناء نقله من السجن الى مركز التحقيق للقاء شقيقاته،وقد كان مبرر النظام السوري لإعتقال د. جورج حبش،بأنه قد أشتبه به، وكشف نواياه لتنفيذ إنقلاب عسكري ضد النظام السوري ، وتمت دعوه جورج حبش لزيارة سوريا ، [وخلال وجود جورج حبش في السجن كانت تطورات كثيرة قد حصلت في داخل الجبهة الشعبية ، وتحمل جميعها نذر إنقسامات جديدة> . وكان رئيس سوريا في ذاك الوقت ( نور الدين الأتاسي من 25 شباط / 1966 – 30/تشرين الثاني /1970م،) ومن الجدير ذكره هنا بأن علاقة الجبهة الشعبية مع النظام السوري بقيت مقطوعة ومتوترة،منذ ذلك التاريخ الى نهاية العام 1979م،عندما التقى الرئيس حافظ الأسد بالرفيق جورج حبش،على هامش لمؤتمر دول الصمود والتصدي التي تشكلت في أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس.
وفي نوفمبر 1968م أنفصلت جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل،عن الجبهة الشعبية،وهو الذي كانت تربطه صلات قوية جداً مع غير نظام عربي رسمي وجهاز مخابرات عربي كعلاقته المتميزة والغامضة مع محمد رسول الكيلاني رئيس المخابرات الأردنية في ذلك الوقت، وعند ذكر هذا الرجل أكاد أتذكر وعلى الفور مساعيه الغريبة والمكثفة والتي بذلها قبيل معركة الكرامة عندما أعلن بأنه ضد التصدي للدبابات الإسرائيلية،وبدأ بتحريض المقاتلين على عدم المشاركة في القتال لأننا نخوض ضد العدو معركة حرب عصابات ( أضرب واهرب) وليس مواجهة نظامية تقليدية،وتعرضت جبهة أحمد جبريل في وقت لاحق للمزيد من الإنشقاقات،وأستقرت أخيراً على مسمى الجبهة الشعبية – القيادة العامة.
وفي شباط 1969م أنشق نايف حواتمه على رأس فريق من أعضاء الجبهة الشعبية المحتجين على عدم تبني الجبهة الشعبية لمبادئ الماركسية اللينينية بشكل شامل وكامل،وكان نايف حواتمه على يقين بأنه لا يمكن تحويل تنظيم ديمقراطي ثوري ( كالجبهة الشعبية) الى تنظيم ماركسي لينيني،أما جورج حبش فكان له رأياً أخر قوامه بأن ذلك ممكن أن يتحقق،من خلال بنية التنظيم الثوري،وكان لحواتمه رأياً مخالفاً لرأي جورج حبش بشأن تحالفات الجبهة التكتيكية والإستراتيجية مع النظم العربية وفصائل م.ت.ف نفسها،وكان يدعو الى مراجعتها وإعادة ترتيبها،وأختار المنشقون الجدد لأنفسهم أسم الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين،وفي عام 1972م،أصبح أسمهم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
حرب أيلول والخروج من الأردن
لقد أثار نفوذ فصائل المقاومة المتعاظم في الداخل الأردني قلق وريبة النظام الملكي، وقد ألب العديد من قادة الجيش الموالين للنظام، الملك حسين على فصائل المقاومة وزينوا له ضرورة البدء بمحاصرة النفوذ الفلسطيني، وإخضاع م.ت.ف للولاية الأردنية طالما أنها تعمل فوق الأراضي الأردنية، ومما لا شك فيه بأن نفوذ م.ت.ف تعاظم بعد معركة الكرامة وأصبح الشارع الأردني له قبلة جديدة هي قواعد العمل الفدائي،وقد مس هذا المسلك الشعبي بشكل أو بأخر،بصفاء الولاء للأردن وفقاً لخبراء النظام،وقد دعم ذلك مجموعة من الإحتكاكات المسلحة المحدودة بين الفدائيين وأفراد من الجيش الأردني،وكان أقواها في شهر شباط 1970م، في شوارع عمان مما أدى الى سقوط العديد من القتلى والجرحى معظمهم من المدنيين،وفي حزيران 1970م، قبلت مصر والأردن اتفاقية روجرز،والتي نادت بوقف إطلاق النار لحرب الإستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبالإنسحاب الإسرائيلي من مناطق احتُلت عام 1967، وذلك بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242،ورفضت هذه المبادرة سوريا ومنظمة التحرير والعراق، وساعد هذا التطور في زيادة حدة الإحتقان بين الجانبين الفلسطيني والأردني.
في يوم 9/حزيران/1970م، تعرض الملك حسين لمحاولة إغتيال أثناء مرور موكبه في منطقة صويلح، من قبل مجهولين ، وعلى أثرها وقعت مواجهات جديدة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني،أسفرت عن وقوع أكثر من 1000 إصابة بين الطرفين.
في أعقاب ذلك أوصت القيادة العسكرية الأردنية لدى الملك حسين،بضرورة توجيه ضربة ماحقة للعمل الفدائي ، وقد بدأت بالفعل بعض القيادات العسكرية الأردنية بالعمل ضد الفصائل، وكان يقود هذا التوجه الجنرال حابس ألمجالي ومدير المخابرات الأردنية نذير رشيد،وأعلن الملك حسين في أيلول من عام 1970 تشكيل حكومة عسكرية برئاسة وصفي التل, وإقالة مشهور حديثة الجازي عن قيادة الجيش وتعيين الجنرال حابسألمجالي قائداً للجيش وحاكماً عسكرياً عاماً,وكلف هذا الرجل بتصفية وجود الفصائل الفلسطينية العسكري داخل المدن الأردنية.
طلب حابس ألمجالي بعد تعينه مقابلة الأخ أبو عمار،لكن أبو عمار رفض ،لأن أبو عمار لم يكن يثق بحابس ألمجالي إطلاقاً،وأعتقد كما أعتقد الكثيرون أن هدف ألمجالي من تلك اللقاءات كان إعطاء الجيش الأردني الوقت الكافي لنصب المدافع في مواقع حساسة وإتمام عملية الحشد والتي تمت بالفعل، بالإضافة إلى إعطاء صورة بعدم جدية الجيش الأردني للقيام بأعمال عسكرية, حيث تبين فيما بعد أن تطمينات عربية كانت قد وصلت إلى ابو عمار تؤكد عدم جدية التحركات العسكرية الأردنية، ولم تكن تلك التطمينات تعكس حقيقة ما يجري لدى الجيش الأردني.
في المفاوضات التي دارت مع الأخ أبو مازن والمجالي، طالب أبو مازن بتغيير الحكومة العسكرية، واستبدالها بأخرى مدنية يكون للمنظمات الفلسطينية دوراً في تشكيلها, ثم يتم التفاوض على باقي النقاط بعد تنفيذ هذه الشروط،وأبدى الوفد الأردني رضاه عن هذه الشروط ، وأبلغ الجانب الفلسطيني بأنه سيتباحث مع الملك فيها,وطلب إمهاله يوماً واحداً للرد،إلا أن الجيش الأردني بدأ بقصف شرس وعنيف للمخيمات والقواعد الفلسطينية.
نهاية الحرب
ومن أجل إنهاء هذا الصراع تدخل العديد من الزعماء العرب،منهم الزعيم جمال عبد الناصر و جعفر النميري رئيس جمهورية السودان،وتمكن الوسيط التونسي الباهي الأدهم ،وهو رئيس وزراء تونس،من النجاح في التوسط بين الملك حسين وقيادة م.ت.ف لوقف القتال وإخراج قوات المنظمة الى منطقة أحراش جرش وعجلون ، وكانت قوات المنظمة قد تجمعت في منطقتي جرش وعجلون، بعد خروجها من قلب المدن الأردنية والمخيمات الفلسطينية ، وفي هذه الحرب تعرضت للإصابة الثانية في منطقة أحراش جرش وكانت إصابتي الأولى في معركة الكرامة عام 1968م.
بعد دخول قوات منظمة التحرير الى لبنان، دخلت الفصائل في ورشة عمل معمقة لتقييم الأداء الفلسطيني في تجربة الأردن،وفي مقدمة تلك الفصائل كانت الجبهة الشعبية لإستخلاص أفضل العبر الممكنة وتحديد آليات ناجحة في التعامل مع الحالة اللبنانية الجديدة وعقدت الجبهة مؤتمراً مكرساً لهذه الغاية في مخيم البداوي،وقد توصل المؤتمر المذكور الى نتائج وتوصيات هامة منها:-
1-أن الثورة الفلسطينية أخطأت في عدم إعطائها القيمة والأهمية المناسبة والكافية للحركة الوطنية الأردنية، ومنحها الدور اللازم للتصادم مع النظام الأردني.
2-تم تكليف د. جورج حبش وعزمي الخواجا بإعادة تشكيل هيئات ومؤسسات الجبهة الشعبية ، ومن أجل هذا الغرض عقد في مخيم برج البراجنة مؤتمراً حزبياً لإنتخاب المكتب السياسي.
3-وقف خطف الطائرات.
أول صدام مع الجيش اللبناني
بسبب وجود القاعدة الجماهيرية الفلسطينية العريضة في لبنان من خلال المخيمات،ووجود جبهة لبنانية مسانده للثورة الفلسطينية،والتي كان رمزها آنذاك القائد الوطني الكبير كمال جنبلاط، أصاب قوى اليمين اللبناني شعوراً قوياً بالقلق،وأمتد الى إحساسهم بأن هذا الأمر من الممكن أن يمس بالتركيبية الطائفية في لبنان، فبدأ رموز وأقطاب اليمين اللبناني بالعمل ضد الثورة بشكل سري وعلني،وكان رؤساء الجمهورية اللبنانية ووزراء الدفاع في كل وقت من المقربين من اؤلئك القلقين من نمو وإزدهار الوجود الفلسطيني في لبنان،ففي لبنان أصبحت منظمة التحرير اكبر قوة ،وقد أدت قوة التحريض على الوجود الفلسطيني الى وقوع أول صدام مع الجيش اللبناني في شهر آيار 1973م،ووقعت إشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين في بيروت، وأستخدم الجيش اللبناني فيها سلاح الطيران لقصف المخيمات والقواعد الفلسطينية،وتم حل هذا الخلاف بعد تدخل العديد من الأطراف الوطنية اللبنانية وأطرافا عربية أخرى.
الحرب الأهلية اللبنانية
أدعى زعماء حزب الكتائب اليميني اللبناني،بأن زعيم حزب الكتائب بيار الجميل قد تعرض لإطلاق نار في 13 أبريل 1975 عند خروجه من كنيسة في ضاحية عين الرمانة،مما أدى إلى مقتل 4 من مرافقيه،وأتهم الجميل الفلسطينيين بالوقوف وراء العملية،وفي نفس اليوم وفي نفس المنطقة،تعرضت حافلة فلسطينية متوجهة إلى مخيم تل الزعتر تحمل أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة إلى كمين نصبه مسلحين من حزب الكتائب،مما أدى إلى وقوع 27 شهيداً، وفي نفس الليلة، إندلعت اشتباكات مسلحة وعنيفة بين المقاتلين الفلسطينيين ومسلحوا اليمين اللبناني،وقام المقاتلين الفلسطينيين بقصف صاروخي لمنطقتي الأشرفية وعين الرمانة، وقامت وحدات مسلحة من الجبهة الشعبية- القيادة العامة بالهجوم على مقر حزب الكتائب,ولم تنجح محاولات التهدئة في لجم الوضع وحملت الحركة الوطنية اللبنانية حزب الكتائب مسؤولية الحادث، وأنضمت للفلسطينيين ليشمل القتال مسلحوا الحركة الوطنية اللبنانية والمقاتلين الفلسطينيين ضد مسلحوا اليمين اللبناني وتوسعت دائرة القتال لتشمل مناطق أخرى من لبنان، وهكذا بدأت الحرب الأهلية في لبنان،والتي أستمرت للأسف الشديد لما يزيد عن سبعة عشر عاماً.
ولاحقاً لذلك طلب كميل شمعون،وهو رئيس سابق للبنان،ورئيس حزب الوطنيين الأحرار، من النظام السوري التدخل في الصراع،ووجهة هذه الدعوة باسم ( الجبهة اللبنانية ) وهي عبارة عن إئتلاف قوى اليمين اللبناني المكون من حزب الكتائب و نمور الأحرار وحراس الأرز،وقد كان لهذه الجبهة ذراعاً عسكرياً عرف بأسم القوات اللبنانية،والتي كان من أبرز قادتها بشير الجميل وفادي إفرام وفؤاد أبو ناضر وسمير جعجع وأيلي حبيقه،ومع دخول النظام السوري على خط القتال قررت الجبهة الشعبية نقل جزء من قادتها الى العراق، حفاظاً على إستمرارية العمل، وقد واجهت منظمة التحرير هذا الوضع بشبكة تحالفات قوية في الداخل اللبناني ومن أبرز القوى المتحالفة مع الفلسطينيين كان الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة كمال جنبلاط والحزب الشيوعي ، والحزب القومي السوري الإجتماعي والحزب القومي الناصري، لقد كانت الظروف في لبنان في التعقيد بسبب إحساس الجميع بأن العالم كله يقاتل بعضه البعض فوق الأراضي اللبنانية، خلال هذه الحرب زار الرئيس السادات مدينة القدس في تشرين ثاني 1977م، وتشكلت جبهة الصمود والتصدي وأنضمت سوريا الى هذه الجبهة مما زعزع تحالفها مع القوى اليمينية اللبنانية، وهي بدورها جاهرت في تحالفها البديل لسوريا مع إسرائيل،لقد أنتهى العام 1979م،بمتغيرات هامة على المستوى القومي منها خروج مصر من الصف العربي، ونقل جامعة الدول العربية الى تونس،وإجتياح إسرائيل الأول للجنوب اللبناني، وهو ما عرف بحرب الليطاني، وهي التي نتج عنها إقامة المنطقة العازلة في جنوب لبنان والتي كان مسئولها،ضابطاً من الجيش اللبناني برتبة رائد وهو سعد حداد،وعودة علاقة الجبهة الشعبية مع سوريا في آيار 1979م،وعودة كوادر الجبهة الشعبية من ساحة العراق الى لبنان، وزيارة الرفيق جورج حبش للعاصمة السورية دمشق بعد قطيعة أستمرت أحد عشر عاماً، وفي نهاية العام 1979م، عقدت في دمشق قمة جديدة من قمم دول الصمود والتصدي،في الوقت الذي كان يوقع فيه السادات إتفاقية كامب ديفيد مع مناحيم بيغن.
وفي العام 1979م عقدت دورة من دورات المجلس الوطني الفلسطيني في سوريا،وهي الدورة الوحيدة التي عقدت في دمشق طيلة الخمسين عاماً الماضية،وقد ألقت حادثة إستشهاد الأخ أبو علي حسن سلامه قي 22/1/1979م ، بظلالها على تلك الدورة، وأستطيع أن أقول لك بأنها دفعت الجميع الى إتخاذ قرارات وحدوية ووطنية من الطراز الأول،رغم محاولات البعض إبقاء القديم على قدمه، وتلك القرارات مثل.
1-التوصية بإبقاء جبهة الصمود والتصدي.
2-تعزيز دور ومركزية منظمة التحرير الفلسطينية، كأداة ووسيلة موحدة لتحقيق الحلم الفلسطيني.
حرب تموز 1981م
لقد كانت نتيجة هذه الحرب،هي المؤشر على أن إسرائيل قد عقدت أمرها على إجتثاث الوجود الفلسطيني من لبنان،بسبب الإزعاج الذي تتلقاه مستعمرات شمال فلسطين المحتلة،بسبب صواريخ الكاتيوشا،وبسبب تلك الحرب أضطرت إسرائيل ولأول مرة أن توقع مع الثورة إتفاقية علنية لوقف القتال،الذي تواصل في ذاك الشهر لمدة ستة عشر يوماً، من خلال القوات الدولية المتواجدة في المنطقة، وبسبب التحريض الذي تتلقاه إسرائيل من بشير الجميل، الذي وقع تحالفاً إستراتيجياً معها وتعهد بموجبه بالعمل حتى الرمق الأخير من أجل إخراج الثورة من لبنان، لهذه الأسباب أبلغنا الأخ الرئيس أبو عمار في ذاك الشهر وعلى مسمع الجميع بأن الإسرائيليون قادمون وعلينا الإستعداد لحرب مدمرة.
الحرب الكبرى 1982م
مع بدء الإجتياح العسكري الإسرائيلي لجنوب لبنان، عينت من قبل الجبهة الشعبية مسئولاً عسكرياً عن منطقة بيروت، ومع بدء القتال تمكنت القوات الإسرائيلية بقيادة شارون من السيطرة على منطقة الجبل وبعبدا،وهي منطقة الحزب التقدمي الإشتراكي،ومع إشتداد الحصار جائنا وليد جنبلاط الى بيروت الغربية ليبلغنا برسالة من فيليب حبيب،وقد إجتمعنا به في مخزناً للسجاد في بيروت الغربية، مفادها بأن إسرائيل تريد منا الخروج نهائياً من لبنان، وأنا هنا أتذكر أمراً في منتهى الأهمية وهو أنه وخلال الحصار لم يزرنا أي مسئول عربي أو غير عربي،سوى وزير خارجية كوبا ( مال ميركا ) الذي غامر بحياته وجاء ألينا تحت القصف ليطمئن علينا.
بعد إندلاع إنتفاضة الأقصى نهضت الجبهة الشعبية لتأخذ مكانها في مواجهة الإحتلال، وكان كل قادة وكوادر وعناصر الجبهة منخرطون في هذه الإنتفاضة،الأمر الذي أزعج الإحتلال الإسرائيلي إزعاجا شديداً،وكانت نتيجته ذلك أنه قرر قتل الأمين العام للجبهة ، وبالفعل فقد قامت إسرائيل بتوجيه صاروخ الى مكتب القائد أبو علي مصطفى في مدينة البيرة،في يوم 27/8/2001م مما أدى الى إستشهاده،بعد ذلك أنتخب المؤتمر العام للجبهة واللجنة المركزية الرفيق القائد أحمد سعدات أميناً عاماً لها،وأختارني المؤتمر نائباً للأمين العام، وبعدها مباشرة ثأر الجناح العسكري للجبهة لدماء الشهيد أبو علي مصطفى،بإغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي ، وفي إثر اغتيال زئيفي شنت أجهزة مخابرات إسرائيل حملة واسعة النطاق ضد كوادر الجبهة الشعبية استهدفت ملاحقة وإعتقال وتصفية كادرها وضرب بناها الأساسية،وقامت أجهزة السلطة الفلسطينية أيضاً بإعتقال الرفيق القائد أحمد سعدات والرفيق عاهد أبو غلمه قائد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى عضو اللجنة المركزية العامة، والرفاق الأربعة أعضاء مجموعة إعدام زئيفي،في إطار ما سمي بصفقة المقاطعة،وتم نقل الرفاق الستة إلى معتقل أريحا تحت حراسة أمريكية بريطانية،أثناء الإجتياح الصهيوني للضفة الغربية.
الاعتقالات
لم يكن اعتقالي من قبل سلطات الإحتلال العسكري الإسرائيلي في يوم 11/6/2002م،هو الأول من نوعه،فقد سبق أن تعرضت للإعتقال في دول عربية عديدة،من أبرزها إعتقالي من قبل المخابرات الأردنية في 2/6/1977م،وأستمر هذا الإعتقال لمدة ( عام ) ، لإتهامي من قبل المخابرات الأردنية بأنني أقف خلف أنشطة وفعاليات الجبهة الشعبية فوق الأراضي الأردنية،وفي الحادي عشر من شهر حزيران من عام 2002 تمكنت قوات الإحتلال من إعتقالي أثناء إحدى الاجتياحات الإسرائيلية لمدينة رام الله، وكانت تهمتي الوحيدة بأنني عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،على الرغم من أن تلك المنظمة هي التي وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل،وتضمنت لائحة الاتهام أنني عضو قيادة في تنظيم معادي.
ومن الجدير ذكره هنا بأن عملية إعتقالي كانت جزءً من مساعي إسرائيل لتدمير ومحو إتفاقها مع منظمة التحرير الفلسطينية ،حيث شهدت تلك السنة 2002م اكبر عملية إعتقالات لقادة ورموز السلطة الفلسطينية ،حيث قامت إسرائيل بإعتقال النائب وعضو المجلس الثوري لحركة فتح المناضل مروان البرغوثي،في يوم 15/4/2002م، وبعد ذلك تواصل مسلسل الإعتقالات خلال العام 2003 لتشمل المناضل إبراهيم ابو حجله،وأعضاء المجلس التشريعي،وفي مقدمتهم رئيسه المناضل د.عزيز الدويك.
لقد كان هدف الإسرائيليين واضحاً من تلك الإعتقالات، فالإعتقال ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو وسيلة مزعجة وخرقاء للتشويش على عمل القوى والأحزاب والمنظمات الفلسطينية، وشل نشاطاتها ونشاط قوى المعارضة، وتدمير المنجز الوطني الفلسطيني،فقد وجد معظم زملائي ممن تم إعتقالهم معي وبعدي وقبلي لوائح إتهامهم جاهزة لدى المخابرات الإسرائيلية، وتدور جميعها حول محور رئيسي هو الأمن،أي أمن المشروع الإستيطاني العدواني التوسعي في الضفة الغربية، ولهذا لم يكن غريباً أن تشرع حكومة إسرائيل بعد عملية السور الواقي بقيادة شارون – موفاز وبعد أقل من شهرين من بدء العملية ببناء جدار الفصل العنصري باعتباره من أخطر مراحل المشروع العدواني التوسعي في الضفة الغربية، في ظل إعادة إحتلال المدن والقرى والمخيمات، وفي ظل عمليات الحصار والإغلاق وأوامر منع التجول في هذه المدن والقرى والمخيمات.