أجرت الجزيرة نت حوارًا شاملًا مع رئيس جامعة القدس أ.د. عماد أبو كشك، نشر عبر موقعها الإلكتروني في 16 شباط 2024، وفيما يلي نقدم نص الحوار كاملًا:
لتأسيس جامعة القدس قصة نادرة في التاريخ الفلسطيني، إذ طُرحت فكرة تأسيسها في الاجتماع الوحيد الذي عقده رؤساء العالم الإسلامي لأول وآخر مرة في مدينة القدس عام 1931 إبان الانتداب البريطاني.
وكان البند السادس من مخرجات الاجتماع ينص على قرار إنشاء أول جامعة في القدس لتبقى المدينة منارة علم ومعرفة، لكن هذا البند تحقق بعد أكثر من 4 عقود، لأن الحكم البريطاني منع تنفيذه في ثلاثينيات القرن الماضي.
الجزيرة نت أجرت حوارا خاصا وشاملا عن الجامعة مع رئيس جامعة القدس الدكتور عماد أبو كشك كشف فيه عن الوضع المالي والأكاديمي للجامعة ومبادرة لتعليم طلبة الجامعات في غزة عن بُعد مجانا إلى حين إعادة إعمار جامعاتهم المدمرة.
وأشار إلى القفزات النوعية التي حققتها الجامعة وما زالت رغم التقييدات والصعوبات التي تواجهها بسبب موقعها الحساس في بلدة أبو ديس شرقي القدس وكونها معزولة بالجدار عن قلب المدينة واستمرار التضييقات الإسرائيلية عليها لدفعها إلى مغادرة المدينة.
وفي ما يلي نص الحوار..
بداية، من هو الدكتور عماد أبو كشك رئيس جامعة القدس؟ ومتى تقلدت هذا المنصب؟
أنا لاجئ فلسطيني من مدينة يافا، وهُجّرت عائلتي عام 1948 من هناك إلى مدينة طولكرم بالضفة الغربية.
درست على مقاعد جامعة القدس تخصص الهندسة الإلكترونية، ثم وجدت أن لا بنية في فلسطين لهذا التخصص بالشكل الذي أطمح إليه، فحصلت على شهادة الماجستير في علم السياسة من جامعة القدس أيضا، ثم حزت على شهادة الدكتوراه بتخصص السياسات العامة من جامعة “نورث إيسترن” بولاية بوسطن في أميركا، وهو التخصص الذي لم يكن دارجا في الوطن العربي.
تقلدت منصب رئيس الجامعة عام 2014، لكن كان لي شرف الخدمة فيها منذ بداية مسيرتي، إذ عملت مساعد بحث وتدريس، ثم أصبحت مسؤول العلاقات العامة، فنائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية ثم رئيسا تنفيذيا، وبعدها أصبحت رئيسا للجامعة.
دعنا نبدأ من الظروف الحالية كيف أثرت وتؤثر الحرب على غزة في سير العملية التعليمية بجامعة القدس؟
جامعة القدس تعاني كبقية مؤسسات التعليم العالي في فلسطين، لكن بالتأكيد أقل من حجم ما يعاني منه التعليم العالي في غزه والتدمير الشمولي للجامعات هناك.
ما ساعدنا في التعاطي بشكل سلس مع الظروف الحالية هو تجربتنا المميزة في استثمار بنية تحتية قوية للتدريس من خلال المحاضرات والقاعات، بالإضافة إلى نقاشات مع المدرسين من خلال برنامج “آي كلاس”.
عندما وصلت جائحة كورونا كنا أول جامعة في الوطن العربي تنتقل إلى التعليم عن بعد بسهولة نتيجة البنية التحتية الموجودة، وبالسلاسة نفسها انتقلنا إلى التعليم عن بعد منذ اندلاع الحرب الحالية حرصا على سلامة طلبتنا، خاصة أن اعتداءات المستوطنين طالت مناطق واسعة في الضفة الغربية.
إلى أي مدى أثرت الحرب على الوضع المالي للجامعة؟
الوضع الاقتصادي للعائلة الفلسطينية تدهور خلال الحرب، فكافة العائلات التي تعتمد في إعالتها على رب الأسرة الذي يعمل في إسرائيل انهارت اقتصاديا نتيجة منع العمال من الدخول من مناطق الضفة الغربية، وكذلك الحال بالنسبة للعائلات التي يعتمد أفرادها على الوظيفة الحكومية في السلطة الفلسطينية في ظل حجز أموال المقاصة.
القطاع الخاص أيضا تدهور، وأُوقف الكثير من الموظفين عن العمل، وبالتالي لا توجد حياة اقتصادية صحية في فلسطين.
نحن كجامعة نتعاطى مع كافة هذه الحالات ونصنفها كي نسهل على الطالب الفلسطيني ونساعده على التسجيل للفصل الدراسي الجديد بأريحية وبما يتناسب مع قدرات عائلته.
لموقع الجامعة -وبالتحديد حرم أبو ديس الرئيسي- خصوصية، كما عزله الجدار خارج المدينة، ما تأثير ذلك إيجابا وسلبا؟
على المستوى الإيجابي، نحن الجامعة العربية الأولى الموجودة في القدس، ويبعد حرم أبو ديس عن المسجد الأقصى مسافة كيلومترين هوائيين فقط، كما تتبع لنا داخل البلدة القديمة في القدس 10 معاهد ومراكز تعنى بخدمة المقدسيين، لأننا نلعب دورا أساسيا في تثبيت الوجود المقدسي من جهة، وتمكين العائلة المقدسية من خلال فتح آفاق التعليم والتطوير من جهة أخرى.
وفي القدس لدينا كلية الآداب للبنات المتمثلة بحرم هند الحسيني في حي الشيخ جراح، ولدينا كليتان في بلدة بيت حنينا هما الحقوق وإدارة الأعمال، بالإضافة إلى تأسيسنا في شارع صلاح الدين الأيوبي أكبر حاضنة أعمال ريادية للمقدسيين، ومن خلالها نضمن أن أي مقدسي يتعلم في جامعتنا أو جامعة أخرى داخل أو خارج البلاد يمكنه التوجه إلى هذه الحاضنة ليطرح مشروعه الريادي الذي أنشأنا له صندوقا من أجل تمويله بعد دراسته.
وعلى صعيد السلبيات، نحن موجودون جيوسياسيا في القدس وضواحيها وندفع أثمانا عالية مقابل ذلك من ناحية المضايقات، بدءا من الضرائب التي تفرض على الجامعة، والضغوطات التي تتعرض لها لدفعها إلى الخروج من القدس، وقربها من الجدار العازل والاحتكاك اليومي بوجود الاحتلال.
هذه الجامعة ليست كأي جامعة فلسطينية أخرى موجودة في مناطق مصنفة “أ” الخاضع لسيطرة فلسطينية، بل إن موقعها الجغرافي المميز يجعلنا نشتغل في منطقة فيها نوع من الحساسية، وكفلسطينيين فإنه مع كل حجر نبنيه هنا نشعر بأن ضميرنا مرتاح، لكن وجودنا وبقاءنا وتطورنا هنا لم يكن عملية سهلة أبدا.
كم عدد الطلبة في جامعة القدس؟ وما هي نسبة الطلبة المقدسيين من مجمل العدد؟
يدرس على مقاعد جامعة القدس نحو 13 ألف طالب وطالبة في 15 كلية، وتقدر نسبة الطلبة المقدسيين بـ50%، وفي السنوات الأخيرة يلتحق بجامعتنا طلبة من الداخل الفلسطيني (الـ48)، ويرتفع عدد هؤلاء بشكل ملحوظ.
لماذا يختار طلبة الداخل الفلسطيني التعلم على مقاعد جامعتكم رغم البعد الجغرافي؟
كان عدم الاعتراف بشهادة خريجينا في إسرائيل -خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى التقدم لامتحان مزاولة المهنة- عقبة كبيرة أمامنا، وبخصوص ذلك توجهنا إلى المحكمة الإسرائيلية العليا قبل 14 عاما وانتزعنا منها قرارا بالاعتراف بكافة شهادات خريجينا من كليات المجمع الصحي بعدما كانت نسبة نجاحهم لـ5 أعوام متتالية في الامتحان الإسرائيلي لمزاولة مهنة الطب البشري 100%، وطب الأسنان 100%، والصيدلة 98%.
صُدم القضاة بنتائج جامعتنا التي لا يعترف بشهادتها لأنها تقع في هذه البقعة الجغرافية فقط، وسألوا عن إحصائيات تتعلق بخريجين إسرائيليين درسوا الطب في أوروبا الغربية فكانت نسبة النجاح بالامتحان 70%، وفي أوروبا الشرقية لم تتجاوز نسبة النجاح 25%.
ومن هنا ذاع صيت الجامعة وازداد توافد طلبة الداخل الفلسطيني، وعند التوظيف يكون لطلبة جامعة القدس من تخصص الطب نصيب الأسد.
عودة تاريخية إلى تأسيس جامعة القدس، متى تأسست؟ وكيف؟
قصة تأسيس جامعة القدس نادرة في التاريخ الفلسطيني، وذلك لأن رؤساء العالم الإسلامي اجتمعوا لأول ولآخر مرة في القدس عام 1931، وفي البند السادس من مخرجات اجتماعهم قرروا إنشاء أول جامعة عربية في القدس، لكن ذلك لم يتحقق بسبب رفض سلطة الانتداب البريطاني ذلك.
ولاحقا، ظهرت مبادرات فردية بإنشاء كليات مثل هند الحسيني التي أصبحت كلية الآداب للبنات، ثم بمبادرة من الحكومة الأردنية أنشئت كلية الدعوة وأصول الدين للتعليم الشرعي في بيت حنينا من أجل رفد المسجد الأقصى بالمفكرين الإسلاميين، وتأسست كذلك الكلية العربية للمهن الصحية لحاجة المستشفيات إلى الكثير من التخصصات، كالطب المخبري والتمريض والعلاج الطبيعي.
وأنشأ الكويتيون المعهد العربي الكويتي في أبو ديس ليكون مدرسة للأيتام الذكور، ومدرسة أخرى للأيتام الإناث في الشيخ جراح.
وعندما طلبت هذه الكليات الاعتراف بشهادات طلبتها من اتحاد الجامعات العربية قيل لهم إذا اتحدتم تحت اسم جامعة القدس فسنمنحكم الاعتراف، وكان ذلك عام 1977، وحينها تحقق البند السادس من اجتماع عام 1931.
الكليات المتناثرة توحدت تحت اسم الجامعة وتطورت وأثبتت جامعة القدس الآن أنها ليست منافسة على مستوى فلسطين والإقليم فحسب، بل على مستوى العالم.
ماذا يميز جامعة القدس عن غيرها من الجامعات الفلسطينية؟
نحن نسعى إلى تغيير المفهوم التقليدي للجامعات الذي وُضع قبل 250 عاما بإعطاء المعرفة وبعض المهارات ثم يترك الطالب وشأنه للبحث عن وظيفة.
نريد أن نكون جامعة منتجة، لذلك أنشأنا حاضنة أعمال في حرم أبو ديس وفي البلدة القديمة بالقدس وبيت حنينا ورام الله، وتستقبل هذه الحاضنات أي شخص يأتي بأفكار ريادية حتى ندرسها ثم ننشئ صندوقا لتمويل هذه الأفكار ليخلق الشخص وظيفته بنفسه أثناء مروره في عملية التعليم بالجامعة.
هذا مجرد هدف كبير وله تبعيات، مثل كيفية تطويع كل نظام الجامعة لخدمة هذا الهدف، وإعطاء دورات للطلبة وأنشطة لا منهجية، وجلب مساقات عالمية ورفع كفاءة الطلبة باللغة الإنجليزية التي يتعاطى معها السوق العالمي، ونحن نسعى إلى أن يكون لنا أثر في الأسواق المحلية والعالمية.
كلية “بارد” وبرنامج “الدراسات الثنائية” من قصص نجاح جامعة القدس التي يشار إليها بالبنان، لو تشرح لنا المزيد عنهما.
لأننا لا نريد أن نكون جامعة تقليدية وقّعنا اتفاقية مع كلية “بارد” في نيويورك تتعلق بالتعليم الليبرالي الذي يدمج العلوم مع الإنسانيات، وهو الأمر غير المتعارف عليه في الشرق الأوسط.
في العام الدراسي الأول يتعلم الطالب العلوم والإنسانيات، وفي العام الثاني العلوم السياسية ويعد أوراقا بحثية تمكنه من معرفة مواطن القوة لديه، وبالتالي يحدد اختياراته والمهارات التي يريد اكتسابها في العامين الدراسيين الأخيرين.
هؤلاء الطلبة يختلفون عن غيرهم من ناحية طريقة التفكير والقدرات والثقة بالنفس واللغة الإنجليزية القوية، و98% منهم لم يواجهوا مشكلات في توظيفهم نتيجة ندرة المخرجات التي يستقبلها سوق العمل بسلاسة.
أما برنامج الدراسات الثنائية فقمنا بإدخاله لجامعتنا بسبب الإشكالية في السوق الفلسطيني المبني اقتصاده على الخدمات فقط، كالاتصالات والبنوك والمطاعم وغيرها، ولا وجود لقطاع التكنولوجيا والزراعة والتصنيع الغذائي المتطور، وهذا لا يتأتى إلا من خلال دمج الطالب في السوق منذ بداية دخوله الجامعة ليتفهمه ويعي مشكلاته وتكون لديه القدرة على تطويره.
في الدراسات الثنائية يدرس الطالب في الجامعة 3 أشهر ويعمل في المصنع أو الشركة 3 أخرى وهكذا حتى يتخرج، وهذا يتيح له تحسس المشكلات ويعرّف الشركات والمصانع على قدراته بحيث يحل المشكلات ويقترح أفكارا ريادية لإنشاء مصنع أو شركة خاصة به.
ما أولوياتكم؟ وأين توجد جامعة القدس على صعيد الأبحاث العلمية؟
من أولوياتنا تطوير البيئة البحثية المناسبة من خلال بناء نظام تكاملي يخدم فكرة البحث العلمي، ولتحقيق ذلك نحن لا نمنح الزيادة الطبيعية لرواتب الأكاديميين في جامعتنا إلا إذا عملوا على إعداد ورقة بحثية واحدة على الأقل خلال العام الدراسي.
وخلال العام الماضي شارك طلبتنا في 40% من إنتاج الجامعة البحثي، وهذا ينتج أفكارا ريادية سنطور من خلالها الأسواق الفلسطينية، وهذا ما نطمح إليه.
ماذا عن طلبة غزة.. كيف تتعاملون معهم منذ بدء الحرب؟
يتبع لجامعتنا مبنى في غزة يدرس فيه الطبة تخصص “الصحة العامة” ويحصلون على شهادة الماجستير فيه، ولنا الفخر أن القيادة الصحية المسؤولة في غزة هم من خريجي جامعة القدس نتيجة هذا البرنامج الذي أنشأناه عام 1994.
لدينا أيضا برنامج ماجستير في “الدراسات الإقليمية” بالتعاون مع جامعة فلسطين التي دُمرت أيضا.
تواصلت مع مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية بسبب تعذر التواصل مع مسؤولي الجامعات في غزة حاليا، وقدمت مبادرة تقضي بتدريس كوادر جامعة القدس لطلبة غزة الجامعيين عن بعد مجانا إلى حين إعادة إعمار الجامعات، واقترحت على الجامعة العربية توفير رواتب للعاملين في جامعات غزة إلى حين إعادة إعمارها حتى لا تهاجر الكفاءات والنخب من القطاع بسبب تدمير الجامعات.
إلى أي مدى تحظى الجامعة بدعم عربي وإسلامي؟
سعينا ونسعى إلى أن يساهم في هذه الجامعة الواقعة في مدينة القدس أقطاب العالمين العربي والإسلامي لأنها أنشئت منذ البداية بقرار عربي وإسلامي، وبالتالي من أجل تطويرها والحفاظ عليها كمنارة علمية وإنتاج معرفي يفيد الإنسانية جمعاء يجب أن تكون هناك مساهمة عربية وإسلامية لاحتضانها والوقوف معها والسعي لدعمها من أجل التطوير وتحقيق الطموح نحو العالمية.
أين ترى جامعة القدس بعد 5 أعوام من الآن؟
قفزت الجامعة قفزات نوعية متسارعة على المستويات المختلفة، إذ حققنا الاستقرار المالي وبنينا شراكات وبرامج واتفاقيات مع معاهد وجامعات في كل من الصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وأميركا وإيطاليا وإسبانيا والمغرب وغيرها.
هذه الشراكات تنعكس على أمرين، الأول رفع كفاءة التعليم، والآخر ربط الباحثين مع بعضهم البعض من خلال التبادل الأكاديمي والطلابي، ولدينا نحو 300 طالب يذهبون سنويا إلى أوروبا وأميركا وتركيا للاطلاع على التجارب والثقافات الأخرى.
نحن نبني شراكات لعمل وقفيات للجامعة في كل العالم لنتمكن من تغطية مصاريفنا، ومن هذه الوقفيات نستطيع لاحقا انتقاء الطالب الذي سيلتحق بجامعة القدس لنحقق الرؤية بأن من سيدرس في هذه الجامعة يجب أن يكون مبدعا للخروج بأفكار ريادية تحقق شيئا ملموسا ومميزا في السوق.
أعتقد أن جامعة القدس لن تكون بعد 5 أعوام منافسا فلسطينيا ولا إقليميا، بل سينظر لها على المستوى العالمي بشكل مختلف.
المصدر : الجزيرة