نظم مركز العمل المجتمعي-جامعة القدس جلسة حوارية افتراضية حول دور الأمم المتحدة في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، مع المدير السابق لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان-الأمم المتحدة في نيويورك الأستاذ كريغ مخيبر، في قراءة قانونية لحقيقة فاعلية القانون الدولي في منع الإبادة الجماعية وحماية حقوق الإنسان.
وبدأت الجلسة بمشاركة مدير مركز العمل د. منير نسيبة لمجريات العدوان على غزة، التي تتضمن عدة انتهاكات لحقوق الإنسان كمنع وصول الغذاء والماء والمساعدات لقطاع غزة، وارتكاب الجرائم بحق المدنيين، وتهجير الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين في غزة وإجبارهم على النزوح إلى الجنوب، وقصف المنازل والمدارس والجامعات..
وفي الحديث حول حقيقة فاعلية القانون الدولي وحقوق الإنسان في المجتمعات، أشار أ. كريغ مخيبر لوجود بعض القيم القانونية التي تناضل من أجل حقوق الإنسان، وهي التي لعبت دورًا حيويًا في تحرير جنوب أفريقيا من الفصل العنصري، على الرغم من التناقضات وازدواجية المعايير والانتهاكات.
وتناول المتحاورون دعوى جنوب افريقيا لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، المستندة إلى اتفاقية الإبادة الجماعية في مبادرة هامة من أمة عانت من الاستعمار والفصل العنصري كما فلسطين، بحيث طالبت جنوب أفريقيا بفرض المحكمة تدابير مؤقتة لوقف إسرائيل جرائمها تجاه الفلسطينيين، بما فيها العمليات العسكرية والتهجير القسري، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بما فيها الطعام والماء والأدوية وغيرها.
وعن فاعلية القانون الدولي في حفظ حقوق الإنسان الفلسطيني، أكد أ. مخيبر أن الفشل في حل المجازر المستمرة في غزة سوف يؤثر على مصداقية القانون الدولي من قبل الشعوب كافة، إذ أن وظيفته هو منع المجازر والجرائم من التفاقم في العالم.
وانتقد الأستاذ كريغ ازدواجية المعايير لدى المؤسسات الدولية في تطبيق القوانين الدولية ورد المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية من جهة، والقضية الأوكرانية من جهة أخرى، حيث ساهمتا بتشويه سمعتهما بإظهار التحيز الواضح ضد القضية الفلسطينية.
وأكد المتحاورون أن الانتقادات لا تطال جمعيات حقوق الإنسان المستقلة، التي تكافح من أجل العدالة والسلام، ولا تطال نهائيًا موظفي الأمم المتحدة الذين استشهدوا في غزة خلال الحرب مع عائلاتهم.
وتطرق الحوار لإمكان تشكيل الأمم المتحدة بطريقة تجعل المنظمة أفضل وأقل سيطرة غربية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، بحيث أكد كريغ أنه لم يزل يؤمن بالأمم المتحدة ووجوب فعاليتها بتحقيق السلام والعدالة في العالم، ولكن إذا استمر مجلس الأمن بالفشل، وإذا استمرت المؤسسات الدولية بالخوف من القوى الغربية والقادة السياسيين في الأمم المتحدة سوف يبني ذلك فشلًا هائلًا، بحسب وصفه.
وأشار كريغ إلى أن مؤسسات مثل مكتب الإبادة الجماعية، والمستشار الخاص المعني بالأطفال في الصراعات أو المحكمة الجنائية الدولية، إذا كانت غير قادرة على الوقوف في وجه الفساد السياسي فيجب تفكيكها، وأكد “إن الأمم المتحدة لديها صورة موحدة للتعامل مع حالات الصراع وحالات القمع، إلا أنها رفضت أن تطبق على فلسطين نفس النهج الذي تطبقه في أماكن أخرى وهذا ما يعد ازدواجية في المعايير”.
وحول دعوى جنوب إفريقيا قال كريغ “بشكل قانوني، اتفق علماء القانون من أنحاء العالم إنها أقوى قضية شهدوها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”، بحيث تجلت فعالية جنوب إفريقيا في توثيق نوايا السلطات الإسرائيلية من خلال توثيق الاتصالات التي جرت بين كبار المسؤولين الإسرائيليين و القادة السياسيين والعسكريين البارزين، التي عدت نوايا علنية لارتكاب الإبادة الجماعية وإلحاق الضرر بكرامة الشعب الفلسطيني، مع إشارة الى خطط العمل المقررة لتحقيق هذه الأهداف، وقد قام فريق جنوب إفريقيا بتوضيحها بلغة قانونية صريحة.
وتطرق كريغ إلى الرد الضعيف من الناحية القانونية للفريق القانوني الإسرائيلي تجاه الاتهامات المقدمة ضده في المحكمة، والذي حاول إقامة منصة سياسية دعائية للرأي العام الغربي، كما حاول شرعنة الأهداف المدنية واستهداف المدنيين، وهو ما عده تجريدًا من الإنسانية للسكان المدنيين في فلسطين.
وختامًا تطرق المتحاورون للسيناريوهات المحتملة أمام ضغط القوى لتحقيق الإفلات من العقاب على الإبادة الجماعية، واحتماليات تجاوز الإدانة إلى تضمين العقوبات، لا سيّما أمام تصاعد موجات التطبيع، تقابلها مؤخرًا الجهود الكبيرة لشعوب العالم من أجل الضغط على حكوماتهم في مساندة حقوق الشعب الفلسطيني ودعمها.
يشار إلى أن كريغ مخيبر محامي في القانون الدولي وحقوق الانسان منذ أكثر من 40 عامًا، تقدم باستقالته من منصبه في مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلال العدوان على غزة، واعترف بفشل الأمم المتحدة في منع الإبادة الجماعية وحماية حقوق الإنسان كأساسيات لعمل المنظمة ووجودها.