القدس | شذى راغب
حققت الكثير من الدول تقدماً ملموساً في مجال العلم والتكنولوجيا، ومنها من قطع شوطاً طويلاً في مجال التقدم والتنمية، لإهتمامها بالبحث العلمي أسلوباً ووسيلة ومنهاجاً، وتمكنت من خلاله تطويع إمكاناتها لتحقيق التنمية والتقدم لمجتمعاتها، فالبحث العلمي في أي مجتمع يعد رصيداً قومياً وثروة وطنية لايمكن الاستغناء عنه.
أعمال الجامعة لتطوير البحث العلمي
ومن هذا المنطلق، وحرصاً من جامعة القدس للإرتقاء برصيدها البحثي العلمي في مجتمع الجامعة وخارجه، كثفت إدارة الجامعة جهودها ممثلة برئيسها أ.د.عماد أبو كشك الذي استحدث منصب نائب الرئيس للبحث العلمي والتطوير والابداع وتكليف الدكتور بديع السرطاوي بقيادة هذا الملف، والمجموعات البحثية في الجامعة من خلال شبكة القدس للبحث العلمي التي تضم اكثر من خمسين مجموعة بحثية متخصصة، وعملوا معاً ضمن فريق واحد لاستحداث ثقافة الابداع والانتاج في الجامعة.
وعقدت الجامعة العديد من ورش العمل والندوات الخاصة، وطورت شبكة بحثية متشعبة في جميع التخصصات الانسانية و العلمية، وذلك عن طريق فتح شراكات وسبل تعاون مع المؤسسات الأكاديمية محلياً وعربياً ودولياً، بما يخدم الانتقال من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها وتصديرها، والإستفادة منها إلى أقصى ما يمكن، وتوظيفها في خدمة التنمية المستدامة، كما ووضعت خططاً تطويرية لإنجاح ذلك.
وقد عمل الفريق مؤخراً على تعميق عملية التواصل بين كليات الجامعة ومراكزها، وخلق بيئة تشجيعة للعمل البحثي المشترك، وحفزت كل كلية طلبتها لإجراء أبحاث علمية مشتركة مع الطلبة وأساتذتهم من خلال البدء بتنفيذ مسار تسريع الباحثين من الطلبة، ومع الطلبة بعضهم ببعض، للخروج بأبحاث علمية قيمة، كما وفتحت فرص علمية وعملية وتدريبية لطلبة الجامعة من كافة التخصصات، وذلك من خلال تواصلها الدائم وتنسيقها مع مؤسسات وشركات المجتمع العامة والخاصة.
ويعتبر الاهتمام الكبير بالطلبة لإجراء أبحاث علمية البذرة الأولى لخلق جيل مبدع ومبتكر، وواعي لأهمية البحث العلمي، وبالتالي تطوير قدراتهم لمعالجة مشكلات مجتمعهم بكافة المجالات العلمية، والتكنولوجية، والاقتصادية، والانسانية، والثقافية باعتبار ان الجامعات تشكل الرافعات المجتمعية في جميع مجالات الحياة
وقال د. بديع السرطاوي تولي الجامعة أهمية كبيرة للبحث العلمي وتمنح الباحثين من كافة التخصصات الرعاية والاهتمام، مؤكداً أن الجامعة تحاول جاهدة توفير الدعم المالي لهم وتوفير البيئة البحثية الملائمة، وتقوم على مدار الوقت بتطوير خططها من أجل دعم مسيرة البحث العلمي بالشكل الصحيح ابتداءً من التعليم مروراً بمرحلتي البحث والتطوير وانتهاءً بالإبداع والانتاج.
ويستطرد حديثه قائلاً: "نظمنا بالتنسيق مع دوائر الكليات كلاً على حدة لقاءات مفتوحة جمعت الباحثين، والأساتذة، والطلبة، بهدف الحديث عن قرب حول الأبحاث العملية التي قاموا بها، وآخر ما يقومون به من أبحاث وتجارب علمية، واطلعنا عن كثب على أهم المعوقات التي تواجههم، آخذينها بعين الاعتبار ضمن خططنا الحالية والمستقبلية للبحث العملي".
ويكمل حديثه، "مؤخراً قمنا بتوقيع اتفاقية مشروع وقفية القدس للبحث العلمي وجودة التعليم، بالشراكة بين جامعة القدس والجامعة الأردنية، ومؤسسة منيب رشيد المصري للتنمية، ووضعنا حجر الأساس لمركز "منيب المصري للبحث العلمي وجودة التعليم"، الذي سيدعم الباحثين علمياً ومادياً لتطبيق أبحاثهم ليس فقط في جامعة القدس بل في جامعات الوطن ويمتد لاحقاً إلى خارج الوطن، وهذا من اجل توفير فرص أكبر لفتح شراكات وسبل تعاون مع المؤسسات الأكاديمية محلياً وعربياً ودولياً.
مجموعات وتجمعات بحثية على مستوى الأساتذة والطلبة
وقال د.معتز القطب عميد البحث العلمي أن الجامعة لن تتوانى وأساتذتها وطلبتها لتطبيق الخطط التطويرية وتوفير احتياجاتها، فبدأت بمرحلة التنفيذ والعمل الجدي. وشكل مجموعة من طلبة كلية الصيدلة فريق بحثي تكون من 12 طالباً بإشراف د. أحمد عمرو، وعملوا على نشر بحث بعنوان "مدى معرفة والتزام كبار السن الفلسطينيين المصابين بأمراض مزمنة تجاه أدويتهم في الضفة الغربية وشرقي القدس"، في مجلة PLOSONE العالمية، بعد نحو عامين من تأسيسهم للفريق.
وعن كيفية تشكيلهم للفريق يقول أحد الطلبة: " شجعنا د.أحمد عمرو وساعدنا لتعلم مهارات البحث العملي الصحيح وتعاونا معاً ونجحنا في نشر هذا البحث، والآن نعمل على إصدار بحث جديد برؤية أعمق وأفضل فطموحنا أن نستمر، ونشكل فريق آخر للعمل على تعلم مهارات البحث والخروج بأفكار مبدعة جاهزة للنشر".
ويقول د.أحمد عمرو لقد عمل الطلبة بجد وأمل كبيرين، لإيمانهم بأهمية الأبحاث العلمية لما سيجنون من العلم والمعرفة، وخوضهم تجربة العمل والتفكير والتأمل قبل تخرجهم، مما سيمنحهم دافع أكبر لتطوير أفكارهم وقدراتهم وإفادة أنفسهم وجامعتهم ومجمتعهم لاحقاً، ويضيف، "هم أمل اليوم وقادة وعلماء الغد، فالفكرة انطلقت منهم ويجب أن تظل منهم، يعملون ويبحثون، وينجحون".
واستطاعت الطالبة هنادي عطية سنة رابعة تخصص علوم حياتية نشر بحثها العلمي حول "مستخلص القرفة المائي كمثبط لتكوين الβ-هيماتين"، بإشراف د.معتز عكاوي، في مجلة " medicinal plants research "، وتقول هنادي حول بداياتها في العمل على البحث العملي: "عندما كنت في سنتي الثانية زاد اهتمام د.معتز بي نظراً لتفوقي الدراسي وشجعني للتدرب في مختبر الأحياء، وتعرفت عن قرب على أجهزة القياسات العلمية، وبدأت تتكون لدي أفكار جديدة لإجراء بحث علمي لإيجاد أدوية محتملة لمرض الملاريا، وبكل حماس وعزم تضيف، "من هنا انطلقت، ومن هنا سأكمل مشواري العلمي".
وتستطرد حديثها: "حالياً أقوم بإجراء دراسات بحثية استكمالاً لبحثي المنشور، بهدف معرفة طبيعة المادة الموجودة في القرفة والمسؤولة عن تثبيط الـ β-هيماتين، مشيرةً إلى أنها تتعاون مع د.صالح أبو لافي من كلية الصيدلة من أجل تطوير البحث.
وشكرت الطالبة هنادي جامعة القدس، معتبرةً هذه الخطوة أهم نقطة تحول في حياتها العلمية والعملية نحو الأفضل، كما وشكرت كل من ساهم في دعمها ودعم كل الطلبة المجتهدين".
وقال د.معتز عكاوي: "الطلبة سر نجاح الجامعة، ونحن نستثمر في الطلبة وندعمهم لإجراء أبحاث علمية قبل إنهاء سنواتهم الدراسية، لنخرج طلبة مفكرين، ومنتجين، ومبدعين بناءً على أسس علمية".
ولفت د.عكاوي إلى أنه نشر عدة أبحاث بالتعاون مع طلبة مميزين وفنيي مختبرات الأحياء منهم أ.سهير جابر، وأ.قاسم أبو ارميلة، داعياً الطلبة لعدم التردد والتوجه له ولجميع زملائه لمساعدتهم لتعلم أسس البحث العملي، وحثهم على الجد والاجتهاد للعمل.
ولن تتوقف نجاحات الطلبة وأساتذتهم إلى هذا الحد، فتقول د.إلهام الخطيب من كلية طب الأسنان أنشأنا عام 2013 وحدة بحث علمي خاصة بالكلية، استهدفت بداية أساتذة الكلية لتحفزهم وتشجعهم على إعداد أبحاث علمية، وعام 2014 توسع نطاق العمل لنضم طلبة الكلية، وقمت بالإشراف عليهم بشكل مباشر، واستطعنا ومجموعة من الأساتذة توفير فرص تدريبية ودورات خاصة بأسس البحث العلمي يعطيها أساتذة الكلية أنفسهم، وخبراء من خارج الجامعة.
وتضيف بكل فخر، "كانت أول باكورة نجاح للطلبة دراسة قام بها الطالب أحمد الكسواني مع د.فهد حبش، وقد هدفت الدراسة إلى إجراء مسح فمي لتشخيص أي آفات فموية حميدة أو قابلة للتحول إلى أورام خبيثة في عينة من الشعب الفلسطيني، وربطها بعوامل ديموغرافية وعادات غير صحية قد تمارسها هذه العينة، كما يهدف هذا البحث إلى تشخيص الإضطرابات الفكية الصدغية وعلاقتها مع الصحة العامة للفرد، ودرجة الضغط النفسي والتوتر لديه. وقد قدم البحث في مؤتمر "American Association of dental research ".
وتستطرد حديثها، "هناك مجموعة من الطلبة يقومون حالياً بجمع معلومات حول "حالة الفم والأسنان عند الأمهات الحوامل في مراكز الصحة والأمومة والطفولة"، ويتم تدريبهم على إدخال المعلومات وتحليلها من خلال برامج خاصة.
وأوضحت الخطيب، أن الوحدة شهدت تطبيق باحثة من بريطانيا بحثها في الجامعة، إضافة إلى تطبيق طبيب من المجتمع المحلي لبحثه أيضاً، مؤكداً أن هذه الحالات تأتي في ظل انفتاح وحدة البحث في الكلية للمجتمع المحلي والعالمي الذي باشروا العمل عليه بداية العام الحالي، وذلك من خلال توفير المختبرات والعيادات والمساعدة في جميع عناصر البحث العلمي، من نشر وإحصاء وعمليات بحثية أخرى.
ولا ننكر الفوائد الجمة للأبحاث العلمية، فالتطور التكنولوجي الحاصل في الدول يحتم علينا مواكبته ودراسته، في ظل مشكلات العصر المختلفة لجميع مناحي الحياة.