الاسير المحرر المناضل وليد الهودلي … تجربة ابداع ادبي مميز كسرت القيد
اكد الدكتور فهد ابو الحاج ان ادارة السجون تمارس كافة الضعوط على الاسرى وتجرهم الى ماهو اسؤء من خلال ممارسات الاستفزاز الغير مببر من قبل ادارة السجون التي ستوصل الاسرى الى المواجهة حيث يشهد سجن عسقلان توترا نتيجة للتفتيش اليومي الذي تقوم به ادارة السجون وكما ناشد الدكتور ابو الحاج جميع المؤسسات الدولية والمحلية التي تعنى بلملف الاسرى وحقوق الانسان الى التحرك السريع لانقاض حياة الاسرى المضربين عن الطعام والمرضى والمطالبة بالافراج السريع عنهم لانه حياتهم في خطر.
ولد وليد الهودلي عام 1960م في مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين، ويرجع أصله إلى العباسية قرية قرب مدينة يافا المحتلة. أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية في مخيم الجلزون، أما دراسته الثانوية فكانت في رام الله. تخرج من معهد المعلمين، ليعمل بعدها مدة أربع سنوات كمعلم للرياضيات. قضى اربعة عشر عاما من عمره في سجون الاحتلال، عمل طيلة فترة اعتقاله في العمل الثقافي داخل السجون، وقضى أغلب فترة سجنه في الكتابة الأدبية، حيث خرج من السجن بأربعة عشر مؤلفا ما بين روايات ومجموعات قصصية ودراسات وكتب في المسرح وأدب الطفل . ثم واصل الكتابة خارج السجن حيث دخل عالم المسرح فكتب مسرحية النفق التي تم انتاجها من قبل مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة ، ولمسرح الطفل كتب وانتج عدة مسرحيات ابرزها ابريق الذهب . اعتقاله الابرز كان اثنتا عشرة سنة على خلفية محاولة خطف جندي اسرائيلي بهدف تحرير اسرى .. وقضت زوجته أيضا"عطاف عليان" أكثر من أربع عشر سنة في سجون الاحتلال، وكانت لابنتهما عائشة أيضا نصيبا في قضاء عام من عمر طفولتها في السجن برفقة أمها. شارك في بعض الأبحاث والدراسات ومراسلات صحفيّة وتحرير مجلات والمقالة السياسية.. ترأس تحرير مجلة "نفحة" التي تعنى بشؤون الأسرى والمعتقلين وأسس مع مجموعة ادباء مركز بيت المقدس للادب.
حصل على المرتبة الثانية في مسابقة الإعلام والصحة، من خلال كتاباته تحت عنوان "الصحة والمرض في السجون والمعتقلات" .وحصل على المرتبة الثالثة في مسابقة فلسطين للرواية العربية بروايته : ليل غزة الفسفوري ويعتبر الهودلي احد ابرز ادباء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة. حيث تمكن من كتابة أربعة عشرة مؤلفا داخل الأسر.
البداية
كان للمعتقل فعله مع وليد الهودلي كما يقول، فقد أسهم المعتقل كثيرا في صناعة وليد الأديب والروائي؛ بدأ ذلك بكتابة نشرات دورية لتعبئة السجناء معنويا وثقافيا، ثم تطور إلى كتابة القصة القصيرة والرواية، ليصدر أول عمل أدبي له سنة 1998 بعنوان: "مدفن الأحياء" وهو شواهد حية عن حال المرضى في معتقلات الاحتلال. كما صدر له في 1999 رواية: "الشعاع القادم من الجنوب" والتي غطت مساحة هامة من تاريخ الحركة الاسيرة بلغة الادب فقد تحدثت عن ما هو معروف للاسرى بمصطلح الدوريات العرب، اي الذين أسروا نتيجة انضمامهم وحربهم مع الفلسطينيين، وبعدها صدرت له رواية "ستائر العتمة" والتي كان لها دور هام في توعية نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني من الوقوع في ألاعيب المخابرات الإسرائيلية وطرقهم في خداع المعتقل الفلسطيني في مرحلة التحقيق. ومن مؤلفاته أيضا المجموعة القصصية: "مجد على بوابة الحرية" وغيرها العديد من الروايات والقصص والدراسات والتي كان آخرها عن الحرب على غزة بعنوان "ليل غزة الفسفوري".
* كيف لعب السجن دوره في ادب الهودلي ؟
يقول الهودلي: " كان السجن تحديا ودافعا أساسيا في تفجر مشاعري وأفكاري وكل أحاسيسي في اللغة وتصريفات الأدب القصصي والروائي. يتوق من يكتب للأسرى أن يرى النور نهاية النفق . ويحاول أدب الحرية أن يعبر عن قداسة الروح الإنسانية وعشقها للتحرر ونبذ الظلم والاستبداد من حياتها. كاتب خرج من عمق الظلمات، اخترق الحزن وألم الأسر ، ليخط بقلمه معاناة شعب وليضيف إلى أدب المقاومة والصمود سجلاً حافلاً يبقى وثيقة شرف صادقة لتحكي على مر السنين لجيل وأجيال بطولة شعب سطر أروع البطولات في وجه أسوأ عدو عرفه تاريخ الانسانية .
نعم فلسطيني يحمل حجرا بيد وقلماً باليد الأخرى فخور بعطاءات شعبه وبقدسية جهاده.
كيف كانت البداية مع الكتابة ؟ وهل يوفر السجن الفرصة المناسبة للكتابة ؟
أما عن ظروف السجن وتأثيرها على الأديب يقول الهودلي: " السجن لا يحد من النشاط الثقافي إذا توافرت الإرادة أما إذا ضعفت الإرادة عند الأسير فلن يكون هناك دافعية للإنتاج والإبداع".
* وماذا عن تنوع الالوان الادبية في كتابات الهودلي ؟
يواصل الهودلي حديثه عن أدب الحرية :" هناك أنواع لأدب الحرية منها: الشعر، فشاعر الحرية يحلق عاليا ويعبر عن ثورية الروح، أيضا نجد هذه الثورية العالية في الخطابة، البيان، النشرة حيث التعبئة الوطنية العالية، وقلة قليلة للأسف سلكت طريق القص الروائي، ورغم ذلك فقد خرجت الكثير من الروايات التي تحاول أن تسطر معاناة وبطولات الأسرى وتجعلها محفوظة للأجيال القادمة.
ويقول: كتبت للمقاوم وللإنسان العادي وللطفل، إلا أن أصعب شيء هو الكتابة للطفل خاصة في وضعيتنا الفلسطينية وبالتحديد داخل السجن، ففي السجن يعيش الأديب ضمن مجتمع ذكوري شاب دون المرأة والطفل فعليه ومن خلال هذه البيئة القاسية أن يخاطب الطفل بكل معاني الرقة والنعومة .
وماذا عن النشاط الأدبي داخل المعتقلات ؟
يقول الهودلي: حالة الإستقرار عملة نادرة في السجون ومزاج إدارة السجن هو الفاصل، فعندما تكون الأوضاع متوترة مع السجان – وهو الغالب – يصعب العمل الثقافي، بينما في فترات الهدوء التي تسبق العاصفة يستطيع الأسير أن يسرق بعض الوقت لممارسة الثقافة والأدب، وتبقى أيضا حينها مهدد بخطر القمع والنقل إلى سجن آخر، بسبب ما كتبت أو مهدد بمصادرته، أو صعوبة إخراجه أو ضياعه أو حرقه أو إتلافه المتعمد أثناء قيام السجان بالتفتيش. لقد صودرت لي دفاتر وكراسات كثيرة منها رواية كاملة وبعض ما كتبت قمت بكتابته للمرة الثانية مثل مدفن الاحياء .
* معادلة الاسير المبدع وانتصار ارادته على ارادة سجانه ؟ كيف تجاوزت المحنة بكل هذا الابداع ؟
ج: مسألة تجاوز محنة الأسر تعود قبل كل شيء إلى فضل الله وعونه لمن يطرقون بابه ويستعينون به، وليست المسألة مجرّد تجاوز وصمود وحسب؛ وإنما قد تُحول من محنة إلى منحة، وهذا ما وجدته عند الكثيرين من الأسرى الذين يستغلون أوقاتهم خير استغلال.. القراءة والعبادة والرياضة والنشاط الاجتماعي والثقافي العام؛ يجعل من السجن فرصة ذهبيّة لبناء الذات؛ خاصة مع استشعار التحدي ومعرفة مخططات إدارة السجون الحاقدة التي تسعى إلى تفريغ الأسير من محتواه الثقافيّ والروحيّ وطمس معالم شخصيّته التي دخل فيها السجن، بالمقابل تجد الأسير الذي يدرك أبعاد هذه المخططات يعمل بكل ما أوتي من قوة وجهد بالاتجاه المعاكس لمقاصد وأهداف إدارة القمع هذه.. كنت أستشعر دوما بأنني انتقلت من موقع إلى موقع آخر من مواقع المواجهة.. كانت فرصة للتغيّر والتغيير في ميدان آخر .. وكان في السجن فقه المحنة والابتلاء والمواجهة طويلة النفس ومعرفة هذا العدو وطرائق تفكيره عن قرب والتوسع في معرفة طبيعة المجتمع الصهيوني وحكومته ولغته، وكانت السجون محاضن سياسية لتطوير الفهم السياسي كل ذلك منطلقا من مداد روحي قوي قادر على رفع الجبهة المعنويّة والنظر من مواقع العزّة والاستعلاء والاعتصام بالله والحق والفكر السديد.
* ذكرت في القصة الأخيرة من مجموعة قصص المعتقلين المرضى التي صدرت تحت عنوان "مدفن الأحياء"؛ إقدام السجانين الصهاينة على مصادرة كتاباتك، كيف كنت تتصل بالعالم الخارجي وكيف كانت تصل كتاباتك خارج السجن؟
ج: كانت الكتابة داخل السجون تمر في أحوال مختلفة؛ فلم تكن الكتابة متيسّرة في كل الأوقات، فمثلا أوقات التصعيد مع الإدارة والاضرابات والقمع لا يمكن أن نتمكن فيها من الكتابة.. وهناك التنقلات من سجن لآخر حيث الحرمان من الاستقرار وعدم القدرة على الكتابة، وأوقات النهار في الغرف الكبيرة لا يتوفر فيها الهدوء.. أوقات كثيرة تصعب فيها الكتابة تحت مطارق السجان؛ ومع هذا فإن هناك أوقات كنت أغتنمها للكتابة؛ مثل ما بين صلاة الصبح ووقت الرياضة في السابعة صباحا، وكذلك في وسط الليل حيث يهجع الأسرى.. وكان لي ثلاث ليالي أسبوعيّا للسهر حتى الصباح؛ كنت أستغل ليلتين منها للكتابة والثالثة للقراءة والتعبئة الروحيّة، وتبقى مسألة الاتصال بالخارج وتهريب ما نكتب حيث أنها كانت مهمة صعبة، عوقبت عليها عدّة مرات، وصودرت مني عدّة كراسات، أحيانا أعيد الكتابة من جديد وأحيانا أخرى كانت تذهب (كتاباتي) بلا عودة، وكانت مغامرتي الأخيرة يوم الإفراج عني، حيث خرجت بحقيبة فيها أكثر من خمسين كرّاسا (جعلتها تحت بعض الملابس) خرجت كلها معي بسلام بفضل الله..
* كتاباتك جريئة وتطرقت لأعلى قضايا النضال الوطني حساسية، هل واجهت صعوبة في النشر؟
ج: الصعوبة في النشر مازالت قائمة، هناك هواجس وتخوفات ورقابة ذاتيّة أصعب وأقسى من مقص الرقيب، كلمة الحق عند السلطان الجائر مازالت في مجتمعاتنا تمشي على استحياء.. هناك استثناء (وللحق يقال) قد خرج عن قاعدة الصعوبات هذه؛ وهو ما قامت به المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي من طباعة ونشر (رواية) "ستائر العتمة" وكذلك بيت الشعر الفلسطيني في نشر (كتاب) "مدفن الأحياء"، وكذلك دار البشير مع (كتاب) "مجد على بوابة الحريّة"، ومركز يافا مع "حكايات العم عز الدين". وكذلك طباعة مركز ابو جهاد للحركة اسيرة وجامعة القدس في طباعة امهات في مدافن الاحياء ومسرحية النفق طباعة وانتاجا . ومركز البراق للدراسات في طباعة منارات ومركز بيت المقدس للادب في طباعة "ابو هريرة في هدريم" ومجد على بوابة الحرية .
* ما مدى واقعية القصص التي تظهر في كتابات وليد الهودلي؟ هل تكتب الحدث والشخوص كما هم ؟ هل توثق لحالات بقالب أدبي ؟ أم أن هذا يأتي في قصص دون أخرى ؟
ج: واقعيّة القصص واردة في أغلب القصص؛ الخيال يلعب دوره في الحبكة والنسيج الأدبي والربط بين أحداث متناثرة، المسألة ليست كتابة الحدث كما هو وإنما محاولة كتابته من خلال الأسلوب والفن القصصي، انطلقت بذلك من خلال أن عندنا من القصص ما يفوق الخيال فلماذا لا نسجله بعيدا عن شطحات الخيال والتي قد لا تصل إلى ما وصل إليه واقعنا ومعاناتنا التي بلغت الذروة في كل أشكال المعاناة، فمثلا: أي خيال يفوق حشر عائلة في بيت ضيق مع الأم المتوفاة دون دفن لعدة أيام متواصلة!! أي خيال يصل إلى أن مدير السجن كان يقمع السجن بالغاز قبل أن تنتهي مدة صلاحيّة هذا الغاز فقط من أجل ان لا يخسر الغاز ويضيع سدى دون استعمال ؟؟!!!
* تجربة الكتابة للطفل لها خصوصيتها، وهنا أنت كتبت للطفل لوصله بقضية الأسرى ولغرس مفاهيم المقاومة لدى الطفل الفلسطيني وشرح قضية الأسرى والحقوق الوطنية؛كان آخرها المسرحية رامي ومحكمة الذئاب التي عممتها وزارة التربية والتعليم على المدارس ليجري تمثيلها بمناسبة يوم الاسير ولك ايضا قصة في منهاج الصف السادس اللغة العربية .. هل ستواصل الخوض في هذه التجربة؟
ج: كتابتي للطفل هي تجربة في بدايتها، مازالت محاولة بحاجة إلى المزيد من التطوير، سأواصل بإذن الله الخوض في هذه التجربة، الآن أنا في مرحلة تقويم تجربة الكتابة الأولى.. الكتابة للاطفال من أصعب انواع الكتابة لكنها تبقى في غاية الاهمية ، لا بد من زيادة مساحة المنتج المحلي في ادب الاطفال كي تتشكل الشخصية ذات الانتماء الوطني الذي نريد ..
* رواية "ستائر العتمة" طبعت عدة طبعات ونجحت نجاحا غير مسبوق لم يعرفه المشهد الثقافي الفلسطيني من قبل ، لم تطبع رواية اربعين الف نسخة ، ما السر في هذا النجاح ؟
ج: سر نجاح قصة ستائر العتمة أنها جاءت في وقت انتفاضة الاقصى حيث تكررت الاخطاء ذاتها التي كان يقع فيها المعتقل ايام الانتفاضة الاولى في فترة التحقيق فكان لا بد من كتابة تحذر من هذه الاخطاء والجديد انها جاءت على شكل قصة يصل بها القارىء الى الانتباه من أعماقه من كل الاخطاء التي قد يقع فيها وكذلك فان النص القصصي يجعل القارىء يتصور المشاهد ويعيشها بكامل مشاعره وبدرجة تشويقية عالية ثم أن من اسرار نجاحها – على ما اعتقد – انها لامست حاجة ماسة لدى الشباب ..
* لا بد من التوقف اكثر عند ستائر العتمة إذ هي الاشهر من رواياتك كذلك فان كثير من الشباب يعرفون وليد الهودلي بستائر العتمة ؟ هل لك أن تعطينا موجزا عنها ؟ موضوعها ؟
في وقت (عام 2001 م) أعلنت فيه دولة الظلم والطغيان قرار بمنع التعذيب الجسدي (إلا في حالات خاصة تستلزم استصدار قرار للموافقة عليه)، واستخدام التعذيب النفسي فقط عند التحقيق مع الأبطال القابعين خلف الأسوار في سجون الاحتلال على أرض فلسطين الطاهرة، تلك القصة الواقعية التي خرجت من قلب المحنة، وصميم الواقع الأليم؛ قصة الشاب عامر الذي كابد تسعين يوما من المواجهة الملتهبة التي فُرضت عليه وهو يرزح في أغلال الاحتلال البغيض، والذي واجه فيها عدوّا يمتلك كل الإمكانيات، وهو مجرد من كل أشكال السلاح سوى سلاح واحد؛ إيمانه بالله وبعدالة قضيته، إيمانه الذي الوقود لانتصاره على عدوه، فأصبحت إرادته وقوته أقوى من كل إمكانياتهم، وأصبح عملاقا يحتفظ برباطة جأشه أمام قزم يرغي ويزبد. تلك الرواية التي كانت سببا في توعية نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني من الوقوع في ألاعيب المخابرات الإسرائيلية وطرقهم في خداع المعتقل الفلسطيني في مرحلة التحقيق، وأمدت الكثير منهم بالعزيمة والإرادة والثبات أمام عدوّهم. جاءت تلك الرواية على خمسة فصول: تقلبات زنزانة بعد أن نفّذ برفقة إخوانه إبراهيم ونبيل عملية عسكرية ناجحة ضد المستوطنين على أرض رام الله المحتلة، وجد نفسه يقبع في مربع مظلم لا يكاد يرى جدرانه من شدة العتمة فيه، والذي كان يخيل إليه أحيانا بأن الأكسجين قد نفذ منه، والذي أشبه ما يكون بالقبر، ذلك المكان الذي يسمّى زنزانة في سجون الاحتلال. تركوه بعد الاعتقال أياما عديدة في تلك الزنزانة، في صمت رهيب يتقلب فيها بين أفكاره كمن وقع صريعا لألم أضراسه، وفي بعض الأحيان يدخلون إليه أحد عصافيرهم الذي لعب دور الخائف من العصافير، ليبعد عن نفسه الشكوك والذي اكتشف في النهاية بأنه أغرب وأخبث عصفور رآه في حياته، حيث ذكره بخداعه ومكره بقصة الشيطان الأبيض مع برصيص الراهب. (ملاحظة: العصفور مصطلح يُطلق في السجون الإسرائيلية على العميل، الذي يتعاون مع المخابرات في الوصول إلى اعترافات الأسرى) فقد ظهر في الرواية أساليب المكر والاحتيال التي اتبعها ذلك العصفور الماكر، لإيقاع عامر في فخ الاعتراف، وكيف واجه عامر تلك الأساليب الخبيثة حتى نجا بنفسه من الانزلاق في فخ الاعتراف أمام ذلك العصفور الخبيث . فصل مقالب التحقيق بعد ذلك تناوب عليه المحققون واحدا تلو الآخر، أحدهم يساوم، وآخر يهدد، وثالث يتكلم بكلام من الشرق وآخر من الغرب وبمواضيع مختلفة، المهم أن يتكلم، ورابع يجلس معه ساعات فقط ليقدم النكت السمجة مثل سماجتهم، كل منهم له هدف يرمي لتحقيقه، ولكن عامر كان أكثر ذكاء ودهاء، وبعون الله استطاع أن يواجه حيلهم وخدعهم الماكرة، والانتصار عليهم جميعا. الزنزانة مرة أخرى مرة أخرى أعادوه إلى ذلك المربع المظلم، ويمضي الوقت على عامر ببطء شديد وهو بين صولات وجولات، بين موجات أسئلته وأفكاره المحيرة، وجولات الذكر التي تطفئ نارها التي تحرق صدره. هددوه باعتقال زوجته وأمه وأخته، وأروه ما يجعله يصدق تهديدهم، وأتوا بصاحبه إبراهيم إلى الزنزانة المجاورة، وبعدها صاحبه نبيل إلى زنزانته، على أمل أن يستطيعوا سحب كلمة مما يريدون معرفته، لكن ذكاء عامر ودهاءه وتوفيق الله له فوّت عليهم الفرصة. وفصل آخر يتحدث عن صفقة مغرية حيث استضافوه مرة أخرى في مكان التحقيق، عرضوا عليه أن يتم اختباره على جهاز كشف الكذب، ساءت حالته الصحية، أضرب عن الطعام حتى يحصل على حقه في العلاج، عرضوا عليه صفقة مغرية، لكن وسائلهم هذه كلها كانت أفلاما محروقة وقديمة لدى عامر، خبرها جيدا من خلال متابعته لهذه الشؤون بكل تفاصيلها. دفعوا إليه أحد أصدقائه من الشباب الثقة، الذي طلبوا منه تحت الضغط أن يعمل عصفورا على صديقه عامر، لكن عامر استطاع إعادته إلى صوابه وقوّى عزيمته وأنقذه من التورط معهم وخيانة الوطن . أخذوه إلى عسقلان ووجد نفسه في مكتب تحقيق مع وجه جديد من المحققين كان الإجرام يتكلم في هذا الوجه، تناثر الغضب عن وجهه كأمواج صاحبة وصرخ مهددا عامر بما سيلاقيه في ذلك المكان حيث التحقيق الأقسى والأشد مقارنة بما رآه منهم في الأيام السابقة في المسكوبية والذي وصفه بأنه "لعب عيال". هددوه وساوموه وحاولوا إسقاطه في مستنقع الرذيلة مع إحدى المحققات، لكنه انتفض بكل إرادة وقوة وخلص نفسه من تلك المؤامرة. عندما يئسوا وباءت كل محاولاتهم السابقة بالفشل، قاموا باستصدار قرار السماح باستخدام التعذيب الجسدي معه، وتم الموافقة على القرار، وواجه ألوانا من العذاب تصدى لها بعزيمته وإرادته وقوته وثباته وتحدّيه واستعانته بمولاه، وصمد أمام تعذيبهم، وكان يصرخ مرددا (أحد .. أحد) كلما اشتد عليه التعذيب فيستصغر الذي يواجهه خاصة عندما تمرّ في مخيلته صورة بلال بن رباح ومشاهد عذابه على رمال الصحراء المستعرة، ويستذكر حديث الذين نشروا بالمناشير ومشطوا بأمشاط الحديد فيزداد صبره وثباته. لكن حالة عامر الصحية لم تسمح لهم بالاستمرار في هذا العنف، وكذلك اصطدامهم العنيف بصخرة عناده، فعادوا أدراجهم للعنف النفسي والحرمان الطويل من النوم ورغي الكلام الثقيل فوق رأسه. وفي النهاية وبعد تسعين يوما من المواجهة الملتهبة رأى دموع الهزيمة وسوء المنقلب تقطر بها عيونهم، رآهم أذلاء رغم جبروت أساليبهم الجهنمية وانتصر عليهم، فلم يحصلوا على ما أرادوه منه، واستسلموا أمامه وقاموا بنقله إلى سجن عسقلان الذي يرقد بجوار مركز التحقيق اللعين. ثم فصل أخير جاء بعنوان : في رحى السجن حيث دخل السجن الذي قضى فيه سابقا عدة سنوات، داعبت أشعة الشمس الربيعية جفونه واستنشق من فضاء واسع يملؤه هواء لذيذ، نظر إلى أعلى فوجد زرقة السماء بصفاء تحتضن قطيعا من الغيوم الصغيرة، تلك المشاهد التي اشتاق لها كثيرا بعد أن حُرم منها لمدة تسعون يوما رأى خلالها ألوان من العذاب والألم والتعب. التقى هناك بصاحبيه نبيل وإبراهيم، وعرف منهما كيف وقعوا في فخ العصافير وأدلوا باعترافاتهم، وقيّموا تجربتهم بهدوء، ووقفوا على أخطاء كل واحد منهم، فقد نجحوا في جوانب وفشلوا في جوانب أخرى، لكن تذكروا بأن مسيرتهم مع أعدائهم طويلة، وقد تعلموا من هذه التجربة الكثير. وعاد عامر ليعدّ الأيام الصخرية في السجن من جديد، على أمل بالفرج القريب من الله. وهكذا تنتهي فصول الرواية، لتكون تجربة عملية، وقصة واقعية، يتعلم منها كل من قد يتعرض لمثل ما تعرض له كل من عامر وصاحبيه، ليكونوا على علم بتلك الأساليب الماكرة الخبيثة الخداعة، ويحترزوا منها، وليكون ذلك الشاب عامر قدوة لهم في ذكائه ودهائه وصموده وثباته.
* أمهات في مدفن الاحياء ؟ لماذا مدفن الاحياء من جديد ثم هذا الربط بين المدفن و الامهات ؟
هناك نقص كبير في المكتبة الفلسطينية والعربية بخصوص المرأة الفلسطينية ومعاناتها وتضحياتها فهل هي فعلا صنو الرجل في المشهد الفلسطيني واين يقف دورها ؟ هذا ما اردت ان احدده في هذه الرواية .. لا حدود لعطائها ولا حدود لفدائيتها ودورها لا يقل ولا يتراجع عن دور الرجل فكما أن عند الصهاينة مدفنا للاحياء من الرجال هناك مدفنا اخر للنساء وكذلك فاني اردت ان اؤكد على ان عدوان للمرأة يريدان تقزيم دورها ولا ثالث لهما وهما التخلف والاحتلال وهذا الاخير يستعين بالتخلف لان مواجهته لنصف المجتمع وتحييد النصف الاخر خير له من مواجهة المجتمع الفلسطيني كله .
* وماذا عن ليل غزة الفسفوري : الرواية التي فازت في مسابقة فلسطين للرواية ؟ هل هي كتابة خارج الاسر وادب السجون ؟
طبعا لا يقف عطاء ادب الحرية في السجون عند حدود السجن بل يتعدى ذلك لان الاسير لا يشعر ان دوره قد توقف او انحصر في عالم السجون بل هو عاشق للحرية ، حرية الاسرى وحرية شعبه وانعتاقه من سيطرة الاحتلال .. فأن تحدث الحرب بأعتى أدوات الاجرام على الشعب الفلسطيني في غزة دون أن يتحرك القلم المعتقل في النقب أمر شاق على النفس .. لا بد من دخول المعركة ولو من خلال القلم وهذا ما حصل من خلال كتابة هذه الرواية وتحريرها من بطن الحوت الصحراوي الذي يدعى سجن النقب .. وضعت الحرب أوزارها ووضع قلمي أوزاره لتجري عملية تهريب الرواية من داخل السجن لترى النور في دمشق وبعد ذلك في رام الله بطبعة ثانية .. هكذا يثبت الفلسطيني بأن بامكانه ان يقوم بدوره مهاما ادلهمت عليه الخطوب . وأن ايجابيته تخترق اسوار الظلم والطغيان مهماعلت وتجذرت .
* ما هو المطلوب من المثقف العربي والفلسطيني أمام قضية الأسرى خاصة وقضايا فلسطين بشكل عام؟ وما هو رأيك بحجم ما قدم حتى الآن؟ وهل يمكن أن نعتبر "ستائر العتمة" صرخة لاستنهاض أدب المقاومة بأقوى أشكاله حيث تقدم درسا تفصيلا للمقاومين في كيفية الصمود أمام أساليب التحقيق المتنوعة في زنازين الاحتلال وتقدم مراجعة نقدية للعمل التنظيمي والفدائي الحالي؟
ج: المطلوب من المثقف العربي والفلسطيني الشيء الكثير، فلسطين القضية الأولى والأسرى قضيّة الإنسان المرتبطة بهذه القضيّة الأولى، هناك تقصير كبير وهناك مساحات شاسعة – كما ذكرنا في البداية- بحاجة إلى تغطيّة، وأودّ أن أُذكّر بما يحظى به أسرى أعدائنا من اهتمام.. فهل نتعامل مع قضيّة أسرانا كما يتعامل أعداؤنا مع أسراهم ؟؟؟!!!
هناك الكثير من المجالات التي لا يعرف عنها أحد، فمثلا الروائي عبد الرحمن منيف غطى الكثير من معاناة السجناء السياسيين في السجون العربية في روايتيه "شرق متوسط" و" شرق متوسط جديد"، ما هو الموجود الآن في الثقافة العربية عن سجون الاحتلال؟! كيف يعامل الصهاينة "ضيوفهم" في هذه السجون؟! كيف يتعامل مع أسيراتنا؟! أطفالنا؟!..
نعم أرى في "ستائر العتمة" وغيرها من محاولاتي الادبية محاولة لإيقاظ الهمم والدفع باتجاه إعمال القلم في هذا الميدان الحيوي والهام؛ حيث يوظف في خدمة هذه القضيّة المقدسة..