القدس | "فُتح باب المخيم، في اللحظات الأولى لم نرَ شيئاً سوى الدخان، كان اللاجئون يشعلون النار بالخشب وما إلى ذلك للتدفئة، الخيم متلاصقة وهشة، والطقس بارد جداً." بهذه العبارة، تصف خريجة كلية طب الأسنان من جامعة القدس عام 2010 الدكتورة علا قراقع، مشهد وصولها لأولى محطات تطوعها في مخيّم للاجئين في اليونان، كانون الثاني 2017.
كانت الطبيبة عندئذ تعمل على رسالة درجة الماجستير، حين قرأت إعلانًا عن وجود حاجة ماسة لأطباء للتطوع في مخيمات اللاجئين في اليونان، كما طالعت تقريرًا عن الأوضاع المعيشية السيئة للاجئين كالبرد والنوم في العراء، تقول "تركت كل شيء، عيادتي الجديدة ومرضاي، قدمت طلبًا للتطوع وخرجت على نفقتي الشخصية".
-"نحن أطباء أسنان وجاهزون لتقديم الخدمات.."
هكذا أخذ الأطباء المتطوعون يعلنون عن وصولهم بين الخيم المتزاحمة والباردة في مخيمات اللاجئين اليونانية، حيث يعيش قرابة 37 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة بين الأفغان والغانيين والعرب السوريين والعراقيين واليمنيين والصوماليين في مخيمات موزعة بين خمس جزر يونانية، وتتكون غالبية هذه المخيمات من خيم وبضع بيوت معدنية، إذ يصل اللاجئون إليها في رحلة محفوفة بمخاطر الغرق والموت، هرباً من الظروف السياسية في بلدانهم.
تذكر قراقع أحد المواقف أثناء تجولهم بين الخيم "قابلتنا سيدة وراحت تصرخ محتجة على الأوضاع المأساوية التي يعيشونها في المخيم بقولها:"..رح نموت من الدخان والبرد.."
في الأيام اللاحقة، ومن عيادة مركزية متواضعة في أحد المخيمات، كانت الدكتورة قراقع وزملاؤها المتطوعون ينطلقون يوميًا محملين بالمعدات الطبية اللازمة نحو مخيمات نائية يكتظ فيها اللاجئون، حيث يهيئون عيادات مؤقتة في الخيم أو الغرف الصفية، إلى جانب التعقيم وتجهيز المرضى ثم التشخيص.
بعد ثلاث سنوات، في كانون الثاني 2020، عادت الطبيبة قراقع كمتطوعة إلى اليونان مع منظمة Dental Aid Foundation، بيد أنّها تمركزت هذه المرة في مخيّم موريا القائم في جزيرة ليسبوس، تحديدا في مدينة ميتيليني في قاعدة عسكرية سابقة، مسوّرة يعلوها سلك شائك، وتبلغ سعتها السكانية 6 آلاف شخص، فيما يأوي المخيم اليوم قرابة 20 ألف لاجئ.
"في تطوعي الثاني مكثت يومين في أثينا مع منظمة بذور من أجل الإنسانية، وبعدها انتقلت إلى جزيرة ليسبوس، تحديدا إلى المخيم الأساسي فيها-موريا، الذي تتواجد فيه عيادة الأسنان حيث يقدم العلاج". تشير قراقع.
بين الخيم
"قابلت طفل كردي يتحدث أربع لغات، كانت لديه معرفة واسعة في الموسيقى الكردية وأنواعها التي تختلف من قرية لأخرى، رقصنا الدبكة معا ولعبنا كرة القدم.." تروي الطبيبة المواقف الملهمة التي تتذكرها دوما من تجاربها بين اللاجئين.
تتابع "جاءت إلينا طفلة تدعى إيدا، عمرها 6 سنوات، في اليوم الأول كانت خائفة، وعدتها بهدية فيما لو ظلت هادئة ومتعاونة، في اليوم التالي، عادت إلى العيادة بصحبة والدتها، بعد أن قطعتا مسافة كبيرة في ظروف باردة للغاية، لتخبرني أنها تتعلم اللغة الإنجليزية، إيدا من الأطفال الذين لا أنساهم."
جامعة القدس: الإنسانية أبدا
إلى جانب قراقع، نرصد تجربة تطوع لطبيب آخر تخرج أيضا من كلية طب الأسنان في جامعة القدس، هو الدكتور أحمد عبد الغني، الذي يشغل الآن منصب منسق الفريق الإداري لقسم الأسنان في مؤسسة "Health-Point Foundation"، كان قد تطوع عام 2016 حين كان حديث التخرج، يقول "كنت آنذاك أبحث عن عمل مستقر، ودفعتني الظروف المأساوية التي يعيشها السوريون واللاجئون عامة إلى المشاركة في التطوع لتقديم علاج الأسنان، وخدمات صحة الفم الأخرى لهم، استمر هذا التطوع مدة أسبوعين".
أما عن تطوعه الثاني ودور جامعة القدس في دعمه يوضح "أردت التطوع مرة أخرى ومساعدة المنظمة لتجنيد متطوعين جدد، بحثت عن مصدر لتمويل هذه التكاليف، وقد تولت عمادة البحث العلمي في جامعة القدس هذه المهمة. هكذا، تمكنت من التطوع ثانية عام 2017، ووفرنا تمويل 5 منح سفر لليونان، إثنتين من منظمة إغاثة أطفال فلسطين، وثلاث فرص عبر جائزة الابتسامة ٢٠١٩ من خلال الاتحاد العالمي لطب الأسنان "FDI"".
وحول استقطاب المتطوعين يقول الدكتور عبد الغني "من خلال عملي كمنسق، أقوم بتجنيد أطباء أسنان من جميع الدول العربية للتطوع في مخيمات اللاجئين، والتنسيق لأوقات التطوع، وما زال عملنا قائم لتوفير خدمات صحة الفم للاجئين، وذلك ضمن فريق مكون من أطباء من جميع أنحاء العالم".
من خلال عيادة متنقلة صغيرة وبسيطة، قدم المتطوعون الفلسطينيون الرعاية لمئات اللاجئين، فبالرغم مما يقاسونه في أرضهم تحت نير الاحتلال، يظل الفلسطينيون المبادرين الأوائل في مختلف القضايا الإنسانية، إذ عمل الأطباء عبر تطوعهم في مخيمات اللاجئين على علاج الأسنان الطارئ لتخفيف الألم، بالإضافة إلى الجلسات التثقيفية لصحة الفم، والنصائح الغذائية للأطفال خاصة حول كيفية العناية بصحتهم الفموية.
يذكر أن كلية طب الأسنان في جامعة القدس ترفد سوق العمل سنويا بالكفاءات الطبية والمهنية المتنوعة، كما وتعمل الجامعة انطلاقا من مسؤوليتها الاجتماعية والإنسانية على إعلاء قيمة التطوع والمبادرة بما يمكن الطلبة من العمل في سبيل إنماء وتطوير ذواتهم والمجتمع.