د. ابو الحاج : نحو توحيد كافة الجهود والطاقات لصالح الاسرى
قدورة فارس: علينا ان نبحث معا عن طريقة لمحاسبة اسرائيل على سرقتها لمقتنيات الاسرى
في خطوة اعتبرها الموقعون عليها والعديد من المتابعون لحالة الأسرى الفلسطينيون فاتحة لعهد جديد من العمل والتعاون المشترك بين المؤسسات الوطنية العاملة في قطاع الأسرى، وهي اتفاقية مكرسة لتنظيم مناقلة وتبادل الملفات والوثائق التي تخص الأسرى والأسيرات الفلسطينيين داخل الأسر وخارجه، وبموجبها ستزود جمعية نادي الأسير الفلسطيني مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس بملفات الأسرى المنظورة أمام المحاكم الإسرائيلية وملفات أسرى أنهوا محكومياتهم قبل توقيع هذه الاتفاقية بما فيها لوائح الاتهام وقرارات الحكم المتوفرة لدى نادي الأسير لترجمتها وحفظها من قبل مركز أبو جهاد وهذه العملية هي جزء من مشروع كبير باشر مركز أبو جهاد بتنفيذه منذ عامين، ضمن قواعد عمل مهنية صارمة تكفل سلامة وسرية المعلومات والمعطيات الواردة في الملفات المذكورة.
الأهمية التاريخية للاتفاقية
وتنبع أهمية هذه الاتفاقية من طبيعة اللحظة التاريخية التي وقعت فيها فهي تأتي كاستجابة لدعوات المجتمع الفلسطيني والأسرى الفلسطينيين المطالبة بتوحيد جهد المؤسسات التي تخدم قضيتهم، الأمر الذي سيكون له انعكاسا هاما على توحيد الجهد والعمل الداعم لكفاح الأسرى، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فإنها تلبي حاجة المؤسسات نفسها لتطبيق مفاهيم التكاملية وتقاسم الأدوار الأمر الذي سيضاعف من إنتاجيتها الكلية الموحدة في مجال الاختصاص، ويجنب نفس المؤسسات هدر مزيداً من الوقت والجهد لإنجاز الأعمال المتداخلة والمتشابهة.
حفل التوقيع
ووقع الاتفاقية عن جمعية نادي الأسير الفلسطيني السيد قدوره فارس رئيس مجلس إدارة الجمعية، وعن مركز أبو جهاد د. فهد أبو الحاج، بحضور حشد من الأسرى المحررين والمهتمين بملف الأسرى، وتعقيبا على ذلك قال السيد قدوره فارس " نحن نعلم أن عملية توثيق الإرث الفلسطيني بشكل عام هي عملية هامة، لأنها تحفظ وتصون نضالات الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة بشكل خاص، على الرغم من وجود قصور في توثيق هذه المعلومات التي ترد إلى نادي الأسير فإن هذه الاتفاقية ستفتح باباً لحفظ الميراث الحضاري والإنساني للأسرى الفلسطينيين والعرب، الذين ناضلوا ضد الاحتلال، فلهم حق علينا أن نحفظ تاريخيهم لتطلع عليه الأجيال القادمة وتستفيد منه ".
وتابع فارس حديثه قائلا : " إن هذه الاتفاقية لا توقع اليوم بين جسمين منفصلين بل بين أعضاء جسم واحد يعمل من أجل أسرانا الأبطال، الذين صادرت ونهبت سلطات الاحتلال داخل المعتقلات متعلاقاتهم وممتلكاتهم الشخصية والجماعية على مدار الساعة منذ 46 عاماً، في محاولة مستميته منها لقراءة ما كان يفكر فيه أبطالنا وكان يتم تحويل تلك المتعلقات لجهات أمنية وغيرها كعلماء النفس والإجتماع لدراستها وتزويد مديرية المعتقلات الإسرائيلية العامة بتوصياتهم واقتراحاتهم للتعامل (الأفضل) من وجهة نظرهم مع الأسرى، وهي مقترحات وتصورات تعزز الإستراتيجية الإسرائيلية القديمة في التعامل مع الأسرى المتطلعة إلى إفراغ الأسرى من محتوياتهم الوطنية والقومية، ومنعهم من الاستفادة من وقتهم وتسخيره لصالح برامجهم التعبوية والتثقيفية، إلا أن ذلك كما تعلون جميعاً فشل فشلاً ذريعاً بسبب قوة الإرادة التي وقفت خلف تنفيذ وتطبيق برامج بناء الذات الوطنية في الداخل الاعتقالي، ولطالما قدم العديد من ضباط المعتقلات ومسؤولي مديرية المعتقلات الإسرائيلية العامة شهاداتهم حول هذه الحقيقة، واذكر هنا واحدة منها وهي شهادة مدير معتقل جنيد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي (عباس) الذي صرح لإحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية قائلاً: " يمكنني الجزم بأن أوضاع الأسرى الأمنيين منظمة ومنضبطة ويراعون نظافة غرفهم، ولا توجد بينهم مشاكل مثيرة للقلق ولا انحرافات اجتماعية وأخلاقية، باختصار يمكنني القول إنه لديهم حكم ذاتي كامل المقومات".
حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تطارد الورقة والقلم داخل المعتقلات وتعتبرهما من المحظورات الأمنية ذات الخطر الشديد، لكن أسرانا من جيل الرواد لم يعدموا الوسيلة والطريقة للتغلب على تلك المعضلة، فهربوا الأقلام وأشباه الأقلام وجعلوا من ورق الزبده و ورق أكياس الأسمنت وكرتون علب السجائر دفاترهم، وصنعوا بتلك الوسائل أولى منشوراتهم الإعتقالية من بيانات وتعامييم ومجلات تنظيمية.
وهو أمر كان وما زال ينطوي على مخالفة فظة لكافة المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بتنظيم طرق التعامل مع الأسرى من قبل السلطات القائمة بالاحتلال والاعتقال والتي تفيد (بأنه يجب توفير أدوات ولوازم القرطاسية وإتاحة استخدامها بلا قيود ولا شروط كالأوراق والأقلام والدفاتر والكتب والصحف).
بسبب كل ذلك يتابع قدوره حديثه "علينا أن نبحث معاً عن طريقة ما لمحاسبة إسرائيل على سرقتها لمقتنيات الأسرى الأبطال داخل أسرهم وفي مقدمتها كراساتهم ومخطوطاتهم ومختلف أشكال وأنواع منتجهم الفكري والثقافي والفني".
أما د. فهد أبو الحاج مدير مركز أبو جهاد فقد قال " إن هذا اليوم هو يوم مشهود في تاريخ مسيرة العمل لصالح قضية الأسرى الفلسطينيين وأمل أن تكون هذه الاتفاقية سبباً في تقديم المفيد والجديد لأسرانا وأسيراتنا الفلسطينيين والعرب داخل المعتقلات الإسرائيلية، والتوقيع على هذه الاتفاقية يكمل ما بدئناه في الحقيقة منذ زمن بعيد، واعتبر أن التكامل بين المؤسسات في الوطن بدأ من هذا اليوم لإنجاح مساعي الكل الوطني في الحفاظ على الإرث النضالي للأسرى".
" فعلى الرغم من إن مؤسسات عديدة ساهمت في جمع هذا الإرث إلا أنها كانت محدودة الانجازات بسبب غياب التعاون والتكامل في الأدوار فيما بينها، ونحن اليوم نفتخر بالتعاون مع نادي الأسير الذي تكرم بالموافقة على تحويل ما يصل إليه من وثائق إلى مؤسسة متخصصة في جمعها وتصنيفها وحفظها وإتاحتها للاطلاع للاستخدام من قبل المهتمين والباحثين والدارسين لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي عبر العالم، فمن هنا إنني أدعو كافة المؤسسات الزميلة إلى التعاون مع مركز أبو جهاد من أجل الحفاظ على هذا الإرث حتى لا نضيع أي ورقة منه كتبها أبطالنا في باستيلات الاحتلال".
وقال أبو الحاج أيضاً " إن هذه الفكرة كانت تراود كل الأسرى تقريباً وكان نصيبي ودوري أن أعلق الجرس لا أكثر ولا أقل قبل سبعة عشر عاماً من هذا اليوم، وبهذه المناسبة لن يفوتني أن أوجه شكري وتقديري لكل من ساهم وساعد مركز أبو جهاد في مسيرته وفي مقدمتهم نادي الأسير، الذي تشرفت بأن أكون أحد أعضاء هيئته الإدارية في بدايته، كما وسأشكر الأخ عيسى قراقع وزير الأسرى حفظه الله الذي أجاب طلب المركز بالحصول على النسخة الأصلية من (مشروع اكتب رسالة لأسير) و وثيقة (أطول رسالة كتبها شباب وشابات فلسطين للأسرى)، ومنحه أرشيف حملة (اكتب رسالة للأسرى) التي شرع بها الجمهور الفلسطيني في العام 2011م، ومنح التلفزيون الفلسطيني الرسمي له نسخاً من برامج (لأجلكم) و(زرد السلاسل)و(في بيت مناضل)، ومنحته مؤسسة الحق نسخة من أرشيفها الضخم والخاص بالشهادات المشفوعة بالقسم حول (التعذيب) والتي تقدر بـ 4000 شهادة، ومنحته مؤسستي مانديلا والضمير مجموعة كبيرة من الوثائق الهامة حول الأسرى، وتمكن المركز من الحصول على أكثر من 4000 ملف قانوني كانوا بحوزة المحامين الإسرائيليين حيث تم حفظها بعد ترجمتها في أرشيف المركز".
مشاريع مستقبلية بين الجانبين
وأعلن قدوره فارس إنه وبالتعاون مع مركز أبو جهاد وطواقم المحامين في نادي الأسير الفلسطيني سيسعون لإسترداد الكراسات والمخطوطات والكتب والرسائل التي كانت تقوم مصلحة المعتقلات الإسرائيلية بمصادرتها من كافة المعتقلات، لأنها كانت وما زالت وستبقى جزءً أصيلاً من الحق الفردي والجماعي للأسرى، ومن أجل هذه الغاية سنطرق كل باب وسنستخدم كل وسيلة حتى نسترد تلك المتعلقات.
وأضاف د. أبو الحاج قائلاً: " لقد كان ما تفضل به الأخ قدوره وهو جمع الوثائق أينما وجدت أحد أهم أهداف مركز أبو جهاد المفصح عنها ضمن لائحة أهدافه الرئيسة على طريق جمع كل ما يخص تراث الأسرى الفلسطينيين سواء كانت متعلقات شخصية كالرسائل الفردية والخاصة أو الرسائل الجماعية والعامة، والكراسات والمخطوطات, والصور, واللوحات, وكل ما له علاقة بالمنتج الثقافي والفكري للأسرى.
ومن الجدير ذكره هنا أضاف أبو الحاج " بأن مركز أبو جهاد حقق نجاحاً كبيراً في مضمار جمع وحفظ الوثائق الخاصة بالأسرى خلال الستة عشر عاماً الماضية، ففي عام 1997م تمكن المركز من جمع 900 وثيقة فقط، بينما في العام 1998م جمع 1000 وثيقة، أي بزيادة قدرها 1%، وفي العام 1999م جمع 1000 وثيقة، أي تشابه مُحصلة عمليات جمع الوثائق مع العام الماضي، وفي العام 2000م جمع 2250 وثيقة، أي بزيادة قدرها 1.5%، وفي العام 2001م جمع 600 وثيقة، أي بتراجع قدره 4%، وفي العام 2002م جمع 800 وثيقة، أي بزيادة قدرها 1%، وفي العام 2003م جمع 500 وثيقة، أي بتراجع قدره 1%، وفي العام 2004م جمع 450 وثيقة، أي بتراجع قدره 1.5%، وفي العام 2005م جمع 700 وثيقة، أي بزيادة قدرها 2%، وفي العام 2006م جمع 1100 وثيقة، أي بزيادة قدرها 3%، وفي العام 2007م جمع 1229 وثيقة، أي بزيادة قدرها 1%، وفي العام 2008م جمع 1300 وثيقة، أي بزيادة قدرها 1%، وفي العام 2009م جمع 900 وثيقة، أي بتراجع قدره 2%، وفي العام 2010م حظي مركز أبو جهاد بدعم سخي من الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي في دولة الكويت الشقيق لمشروع جمع الإرث الحضاري للأسرى الفلسطينيين الأمر حسن من قدرات المركز في تجاوز المعيقات المادية واللوجستية والاستمرار في إنفاذ هذا المشروع ووجد ذلك إنعكاسه في إجمالي عمليات جمع الوثائق مع نهاية نفس العام والتي كانت محصلتها 8000 وثيقة، أي بزيادة قدرها 14%، وفي العام 2011م تمكن المركز من جمع 12000 وثيقة، أي بزيادة قدرها 21%، وفي العام 2012م 25000 وثيقة، أي بزيادة قدرها 43%.
يعني ذلك أن المركز تمكن من جمع 57729 وثيقة خلال ستة عشر عاماً ويعتبر هذا الرقم متناسباً جداً مع إمكانيات المركز الضعيفة وغير المستقرة مالياً كما ذكرنا سابقاً
واليوم سيعزز هذا الجهد وهذا النجاح بالتوقيع على هذه الاتفاقية التي ستثري بلا أدنى شك مسيرة جمع الإرث الحضاري والإنساني لأسرنا بلا أي نقصان كيلا تحصي الأيام مزيداً من اللحظات المُسجلة لظلم أنفسنا بأنفسنا، وظلمنا للآخرين, وظلم الآخرين لنا، ولكي نوقف الاحتفاء العبثي الآثم بدماء التضحيات دون ذكر أسماء صانعيها, قررنا أن نقدم لشعبنا وللعالم أجمع وقائع معجزة انتصار اللحم العاري على سياط السجان، كعمل مشترك بين جميع مؤسسات العمل الوطني المتخصصة في ملف الأسرى، لأنها أصبحت معجزة التاريخ الإنساني الحديث بلا منازع، وهي كذلك واحدة من دعائم الحق العربي الفلسطيني في الوجود, ومرسية قواعده وجذوره في باطن التراب الوطني, وذلك من خلال سرد الوقائع على طبيعتها.
وعند البدء بهذا النوع من الأعمال سننجح في مهمة عرض سيرة الأسرى والأسيرات الفلسطينيين والعرب بشكل موفق، لأنهم الآباء الشرعيين للشهداء, والجرحى, والمفقودين, والجنود المجهولين الذي صنعوا بغيابهم وجماجمهم ودمائهم دعائم البقاء التاريخي لشعبنا. ولأن سيرتهم العطرة تستحق الأفضل.
لأننا لا نريد أن تطوينا الأيام ونحن في غفلة من أمرنا، ونأخذ إلى القبور معنا ما ينبغي علينا تركه خلفنا. يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "فلتعلم يا ابن آدم بأن العمر أيام فكلما مضى يوم مضى بعضك", وهذه دعوة أثيرة ومقدرة بهذا العمق لاستغلال الوقت والاستفادة منه بالعمل النافع والصالح، وأخذ كل ما فيه من رحيق تستفيد منه البشرية بلا هدر له، أمر فيه أكثر من حافز لنا لربط الليل بالنهار من أجل إنجاز هذا العمل الوطني الكبير. وفيه مكافأة وتقدير لصبر الصابرين على النوم فوق جمر الزنازين, والمتلحفين بسياط السجان, والمكبلين بقيود المحققين ليل نهار، الذين قدّموا للإنسانية دروسا لم يُعرف مثلها من قبل في الصبر على الظلم، هؤلاء الأسرى الذين تأكدوا أن الصبر هو سلاحهم الوحيد لمواجهة تعسف المحتل، بعد أن تعلموا من أنبيائهم ورسلهم أجمعين بأن موقع الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فصبروا, وأبدعوا فيما صنعوا, فارتقت بطولاتهم لمرتبة المعجزة.
وبهذه المناسبة فأنني أوجه دعوتي وندائي مرة أخرى إلى كافة المؤسسات الزميلة لحذو حذو نادي الأسير ومركز أبو جهاد وخاصة تلك التي تتشابه برامجها إلى توحيد العمل وصولاً إلى صياغة إستراتيجية عمل وطني تنفذها كل المؤسسات لكن بإيقاع منظم ومتفق عليه، مما سيكون له الأثر البالغ والحاسم في خدمة ملف الأسرى الآن ومستقبلاً.